{وكلم الله مُوسَى تكليما} فَبين أَن إرْسَاله الرُّسُل غير مُنكر وَلَا مستطرف على أَنه لَو دلّت الْآيَة على أَنه أوحى إِلَيْهِ بِمَا أوحى إِلَى غَيره لدل ذَلِك على أَنه تعبد بشرائع من قبله بِأَمْر مُبْتَدأ
وَمِنْهَا قَول الله تَعَالَى {ثمَّ أَوْحَينَا إِلَيْك أَن اتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا} فَالْجَوَاب إِن اسْم الْملَّة لَا يَقع إِلَّا على الاصول من التَّوْحِيد وَالْعدْل وَالْإِخْلَاص لله بِالْعبَادَة دون الْفُرُوع لِأَنَّهُ لَا يُقَال مِلَّة أبي حنيفَة وملة الشَّافِعِي وَيُرَاد مَذْهَبهمَا وَلَا يُقَال ملتهما مُخْتَلفَة وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ من الْمُشْركين} فَعلمنَا أَنه أَرَادَ بالملة أصل الدّين وَلِأَن شَرِيعَة إِبْرَاهِيم قد كَانَ انْقَطع نقلهَا وَلَا يجوز أَن يحثه الله عز وَجل على اتِّبَاع مَا لَا سَبِيل إِلَيْهِ
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا وَالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك وَمَا وصينا بِهِ إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى} الْآيَة فَالْجَوَاب إِن اسْم الدّين يَقع على الاصول دون الْفُرُوع وَلِهَذَا لَا يُقَال دين الشَّافِعِي وَيُرَاد بِهِ مذْهبه وَلَا يُقَال دينه وَدين أبي حنيفَة مُخْتَلف على أَن قَوْله {أَن أقِيمُوا الدّين وَلَا تتفرقوا} دلَالَة على أَن الَّذِي شَرعه لنا مِمَّا وصّى بِهِ نوحًا هُوَ ترك التَّفَرُّق وَأَن نتمسك بِمَا شرع وَلَو دلّت الْآيَة على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعبد بشرع من قبله لدلت على أَنه تعبد بذلك بِأَمْر مُبْتَدأ
وَمِنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجَعَ إِلَى التَّوْرَاة فِي رجم الْيَهُودِيين يُقَال لَهُم وَلم قُلْتُمْ إِنَّه رَجَعَ إِلَيْهَا ليستفيد الحكم مِنْهَا وهلا قُلْتُمْ إِنَّه رَجَعَ إِلَيْهَا ليقررهم على صدقه فِي حكايته أَن الرَّجْم مَذْكُور فِيهَا وَلَو رَجَعَ ليستفيد الحكم مِنْهَا لرجع إِلَيْهَا فِي غير ذَلِك من الْأَحْكَام ولرجع إِلَيْهَا فِي شَرَائِط الرَّجْم كالإحصان وَغَيره وَلما اعْتمد على من أخبرهُ فِي تِلْكَ الْحَال لأَنهم لم يَكُونُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute