[بسم الله الرحمن الرحيم]
قال رئيس الأدباء، وعميد الفضلاء، نور الدين أبو الحسن علي بن الوزير العالم أبي عمران موسى بن محمد بن بد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن عثمان ن محمد بن عبد الله بن عمار بن ياسر العنبسي الأندلسي رحمه الله: أما بعد، حمداً لله الذي شرف الإنسان، على سائر أنواع الحيوان، بنطق اللسان، ثم جعل أشرف بني آدم من إرتقت درجته في ذلك، وتلاعب بأطراف الكلام المشقق قي تلك المسالك، والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبي الهدى والرحمة، الذي أتاه الله من جوامع الكلام ما هو أجلى من مصابيح الظلمة، القائل أن من البيان لسحراً، وأن من الشعر لحكمة، فإن الله جل وعلا جعل قيمة كل أمريء ما يحس ويقول، وشرف بأن تأخذ الإفهام منها على قدر القرائح والعقول، ولم يكن من أعنتها ما هو عن مجال رجالها قاصر، وحباها في كل عصر بأكرم ولي وأعز ناصر، ولم يقصر الفضل على من تقدم، وأبان لنا مطارح القصور بمن جعل جنته (هل غادر الشعراء من متردم) ، وأجرى الحقيقة على لسان القائل:
فلو كان يفنى الشعر أفنته ما قرت ... حياضك منه في العصور الواهب
ولكنه صوب العقول إذا انجلت ... سحائب منه أعقبت بسحائب
وهدى إلى تبيين العلة، من قال في ذلك فشفى الغلة:
وعنى الناس بإمتداح القديم ... وبذم الحديث غير الذميم
ليس لأنهم حسدوا الحي ... فرقوا على العظام الرميم
وله در القائل: أن المتقدمين بنوا فأرتقوا، وأن المتأخرين زينوا ونمقوا، ورأيت في رسالة وأن لكل زمان، ما يليق به من البيان، وفي أخرى الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم،، ولم تزل البلاغة في كل عصر بالمشارق والمغارب، تطلع ما يزين سماءها من شمس وبدر وكواكب، والمصنف من أطال عنان الإختبار، دون إقتصار، ولم يخص بالفضيلة عصراً من الأعصار، ولا مصراً من الأمصار، وإني لما تغلغلت في الرحلة ما بين مشرق ومغرب، وملأت سمعي من كل معجب بنفسه ومعجب، ولقيت من الخائضين في النظم وانثر، ما أشار إليه القائل بقوله الذي هو على الغرض أدل النسيم على الزهر:
ألناس كالأرض ومنهاهم ... من خشن فيها ومن لين
مر وتشكي الرجل منه الأذى ... وأثمد يجعل في الأعين
قمت محتسباً للبلاغتين، وتبيين طبق الصناعتين، فأشتغلت بالكتاب الموسوم بجمع المرقصات والمطربات، وما يعنون به عن سائر الطبقات، وهو محتو على ما يتضمنه من الغرض المذكور كتاب المشرق، في حلى أهل المشرق، وكتاب المغرب، في حلى أهل المغرب، ولما شاع ذكر إشتغالي بالجامع المذكور تطلعت إليه، همم أحالت أمانيها في الغرض من هذا الشأن عليه، وتكرر الطلب والسؤال، قبل أن ينتهي إلى غاية الكمال، فجعلت هذا الكتاب كالمقدمة بين يديه، وصنفته ليكون كالمدخل إليه " وسميته المرقصات والمطربات "، وضمنته من النثر زهرات، مقتطفة بسهل حفظها، ومن النظم بدائع أبيات، لا يشق على القلب والطرف ذكرها ولحظها، مما يحاكى شعشعة الشمس على صفحات الأنهار، ورقرقة الظل في لحظات الأزهار، ليرف على مائيته ريحان القلوب، ويعطيه السمع لحظ المحب إلى المحبوب.
من كل معنى ولفظ ... كخمرة في زجاجة
يسري النسيم إليه ... يبغي لديه علاجه
ولم أتجاوز في النظم ألف بيت، مما لا تحدي عليه بلو ولا ليت، " ورتبته " على الأعصار ترتيب الفرائد في العقود، ومزجت المرقصات والمطربات فيه مزج الجمرة بالبياض في الخدود، وفصلت ما بين فضلاء الشرق وفضلاء الغرب، كما فصل بين الجمعين حكم الطعن والضرب، ولم أتعرض للكلام على التنقيص والترجيح، ولا تصرفت في طريقتي التقبيح والتلميح، بل بقليل النثر فصلاً بعد فصل، وبالألف من النظم بيتاً إثر بيت، مجرداً جميع ذلك لتسهيل الحفظ بالله الإستعانة، ومن نضله نسأل الإبانة، " الطبقات التي بني الجامع المذكور على الكلام فيها خمس ": المرقص، والمطرب والمقبول، والمسموع، والمتروك.