فإن شئت هاتي نار عيني خصومة ... وإن شئت حلماً إن حلمك أعدل
نهاري نهارٌ طال حتى مللته ... وحزني إذا ما جن ليلي أطول
وكنت كذباح العصافير ذائباً ... وعيناه من وجد عليهن تهمل
فلا تنظري ليلى إلى العين وأنظري ... إلى الكف ماذا بالعصافير تعمل
* * *
[الجارية ريا مع عتبة " بن الحباب "]
هو عتبة بن الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري: وصاحبته هي ريا بنت الغطريف السللي. علقها بمسجد الحزاب يوم منتزه، وأصل ذلك أن عبد الله بن معمر القيسي حين دخل المدينة قال: بينما قد زرت صلى الله عليه وسلم ليلاً وجلست إذا أنا بشخص ينشد بصوت شجي ولا أراه:
أشجاك نوح حمائم السدر ... فأهجن منك بلابل الصدر
يا ليلة طالت على دنفٍ ... متوقد كتوقد الجمر
ما كنت أعلم أنني كلفٌ ... حتى تلفت وكنت لا أدري
فالبدر يشهد أنني كلفٌ ... مغري بحب شبيهة البدر
وفي رواية صاحب الأصل تقديم وصدر الذي قبله ما كنت أحسب أنني شجن فتبعت الصوت فرأيت شاباً حرّقت الدموع خدّه، فقال لي: أجلس أحدثك أنا فلان، كنت يوماً بمسجد الأحزاب إذا ينسوه يتنزهن، فيهن جارية لم أرَ مثلها، وقفت عليّ وقالت ما تقول في وصل من يطلب وصلك، ثم مضت فلم أعرف خبرها، ثم غشي عليه ساعة فلما أفاق أنشد:
أراكم بقلبي من بلاد بعيدة ... تراكم تروني في القلوب على البعد
فؤادي وطرفي يأسفان عليكم ... وعندكم روحي وذكركم عندي
ولست ألذ العيش حتى أراكمولو كنت في الفردوس أو جنة الخلد فشرعت في تسليته، فقال: هيهات أو يؤب القارظان مثل مشهور أصله إن أخوين خرجا يجتنيان القرظ نبت معروف يعلم لهما خبر، قال عبد الله: فلما طلع الصبح قلت له قم بنا إلى مسجد الأحزاب فأنشد:
يا للرجال ليوم الأربعاء أما ... ينفك يحدث لي بعد النوى طربا
ما أن يزال غزال فيه يظلمني ... يهوى إلى مسجد الأحزاب منتقبا
يخبر الناس أن الأجر هيَّمه ... أو أنه طالب للأجر محتسبا
لو كان يبغي ثواباً أتى ظهراً ... مضمخاً بفتيت المسك مختضبا
فمضينا إلى المسجد فحين صلينا الظهر أقبل النسوة ولم ترَ الجارية فيهن، فقلن له: ما ظنك بطالبة وصالك، فقال وأين هي، قلن له مضى بها أبوها إلى السماوة فأنشد:
خليليّ ريا قد أجد بكورها ... وسارت إلى أرض السماوة عيرها
خليليّ قد غشيت من كثرة البكا ... فهل عند غيري عبرة أستعيرها
فقلت له قد وردت بمال جزيل أريد به الحج، وقد عزمت على أن أبذله في حاجتك فه لك أن تسير معي إلى قومها وأبيها؛ فقال نعم، فسافرنا إلى أن وافينا إياها، ففرش لنا الا نطاع ونحر لنا النحائر، فحلفنا ألا نأكل له طعاماً أو يقضي حاجتنا، فقال أذكروها فأعلمناه بخطبه عتبة، فقال مَن عتبة، فقلنا من الأنصار، قال ذاك إليها فقلنا له أخبرها، فدخل عليها وأعلمها فشكرت عتبة فقال قد نمى إليّ أمرك معه وأقسم لا أزوجك به، فقالت أن الأنصار لا يردّون رداً قبيحاً فإن كان ولا بد فاغلظ عليهم المهر، فقال لهم نعم ما أشرت به، ثم خرج فقال قد أجبت ولكن على ألف دينار وخمسة آلاف درهم هجرية ومائة من الأبراء والخز أكراس من العنبر، فضمنا له ذلك وقلنا له إذا أحضراها أجبت قال فأحضرنا ذلك، فأولم أربعين يوماً ثم أخذناها ومضينا، فحين قاربنا المدينة خرج علينا خيل كثيرة حسبناهم بأمر أبيها فقاتلناهم زمانا، فجاءت طعنة في نحر عتبة فسقط ودمه يفور، فجاءتنا النجدة فإذا هو ميت، فحين علمت الجارية بموته جاءت حتى إنكبت عليه وأنشدت:
تصبرت لا أني صبرت وإنما ... أعلل نفسي أنها بك لاحقة
ولو أنصفت روحي لكانت إلى الردى ... أمامك من دون البرية سابقة
فما أحد بعدي وبعدك منصفٌ ... خليلاً ولا نفسٌ لنفس موافقة