للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألا قاتل الله الحمى من محله ... وقاتل دنيانا بها كيف ولت

غنينا زماناً باللوى ثم أصبحت ... يراق الهوى من أهلها قد تخلت

فما وجد أعرابية قذفت بها صروف اللوى من حيث لم تك ضنت

تمنت أحاليب الرغاء وخيمة ... بند ولم يقدر بها ما تمنت

إذا ذكرت نجد وطيب ترابها ... وبرد الحصى من أرض نجد أرنت

ومنه:

أرى الدهر بالتفريق والبين مولعاً ... وللجمع ما بين المحبين آبيا

فأفٍ عليه من زمان كأنني ... خلقت وإياه نطيل التعاديا

[أخبار كعب وصاحبته ميلاء]

هو أبو خثعم كعب بن مالك أو عبد الله أو خثعم بن لأبي بن رباح بن ضمرة طائي من عرب الحجاز يُعرف بالمخيل، وكان جوَّاداً سخياً شجاعاً، ملوف الصورة.

و" ميلاء " هي بنت لأبي بن رباح أصغر أخواتها كانت أجمل نساء الحجاز، وكان كعب قد خطب إلى عمه أخت ميلاء، وكانت تسمى أم عمرو فزوّجه بها فشغف بها شديداً وألفها طويلاً، وأنه دخل عليها يوماً فوجدها قد نضت ما عليها وهي عريانة فسرَّته حين نظر إليها، فقال: أنشدك الله هل تعلمين امرأة أحسن منك فقالت: نعم أختي ميلاء، فقال: ومن لي بأن أنظرها، فأخبأته وأرسلت إليها فحضرت، فلما رآها وقعت من قلبه موقعاً أدى إلى زوال عقله من العشق، فأنطلق في طلبها فأستعرضها وشكا إليها ما لقي من جبها، فأعلمته أنها أعظم من ذلك في حبه، وشعرت أختها فتبعتها فرأتهما يتشاكيان المحبة فمضت إلى أخوتها وكانوا سبعة فأخبرتهم بذلك، وقالت: أما أن تزودوا كعباً من ميلاء، أو تغيبوها عني.

فلما علم أخوتها به هرب إلى الشام مكث بها أياماً، وأن شامياً خرج يريد الحج فضلت به الطريق فأسترشده امرأة وكانت بالتقدير المحتوم ميلاء وإلى جانبها أختها فأنشد الشامي متمثلاً:

أفي كل يومٍ أنت من بارح الهوى ... إلى الشمّ من أعلام ميلاء تاظر

بعمشاء من طول البكاء كأنما ... بها حرّ نا طرفها متحادر

منى المنى حتى إذا قلت المنى ... جرى وأكف من دمعها متبادر

كما أرفض سلك يعد ما ضم ضمة ... بخيط الفتيل اللؤلؤ المتناثر

قلت: وهذا الشعر قاله كعب حين علق ميلاء قبل وقوعه إلى الشام والمنصف تبع الشيرزي في أنه قاله بالشام وأصل الحال غلط الشيرزي في قوله الشم فإنه قرأها إلى الشام بدليل أن الشامي لما أنشد الشعر سألته ممن الرجل قال: من الشام، قالت: أو تعرف صاحب الشعر. قال: هو أعرابي إسمع كعب إنه يحتمل أن معرفتها من ذكر إسمها ويكون ما ذكر صحيحاً.

ولما أخبرها بإسم الأعرابي أقسما عليه أن لا يبرح حتى ينظره أخوتها فإنهم يكرمونه، ثم سألاه هل تروي له غير ذلك، قال: نعم وأنشد:

خليليَّ قد رضت الأمور وقستها ... بنفسي وبالفتيان كل مكان

ولم أخفِ يوماً للرفيق ولم أجد ... خلياً ولا ذا البث يستوان

من الناس إنسانان ديني عليهما ... مليان لولا الناس قد قفياني

منوعان ظلامان ما ينصفانني ... بدلهما والحسن قد خلياني

يطيلان حتى يعلم الناس أنني ... قضيت ولا والله ما قضياني

خليليّ أما أم عمرو فمنهما ... وأما عن الأخرى فلا تسلاني

بلينا بهجران ولم يرَ مثلنا ... من الناس إنسانان يهتجران

أشد مصافاة وأبعد عن قلى ... وأعصى لواشٍ حين يكتنفان

يبين طرفانا الذي في نفوسنا ... إذا إستعجمت بالمنطق الشفتان

فو الله ما أدري أكل ذوي هوى ... على شكلنا أم نحن مبتليانِ

فلا تعجبا مما بي اليوم من هوى ... فبي كل يوم مثل ما ترياني

خليلي عن أي الذي كان بيننا ... من الوصل أو ماضي الهوى تسلاني

وكنا كريمي معشرٍ حم بيننا ... هوى فحفظناه بحسن صيان

نذود النفوس الحائمات عن الهوى ... وهن بأعناق إليه ثواني

سلاه بأم العمر يشفي فقد بدا ... به السقم لا يخفى وطول هوان

<<  <   >  >>