سنة سبع وَثَمَانِينَ وارتجت النواحي لمَوْته، وَخلف من الْأَوْلَاد عبد الله ومحمدا وَكَانَ لَهُ ابْن نجيب اسْمه عبد الرَّحْمَن مَاتَ قبله وأظلمت الْبِلَاد كَمَا كتبه لي بعض طلبته مِمَّن أَخذ عني لفقد السراج ونال الْعباد من التأسف لفراقه ضد مَا كَانُوا فِيهِ من الابتهاج لِأَن النَّاس كَانُوا يفزعون إِلَيْهِ فِي كل معضلة من ظلم ظَالِم أَو قهر حَاكم أَو عناد مخاصم فَلَا يقصر عَن نفعهم جهده قَالَ: وَفِي آخر مرّة صَار من أهل الْمعرفَة بِاللَّه والنور يذكر من يلقاه بِالآخِرَة ويحقر عِنْده الدُّنْيَا ويسليه عَنْهَا وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا فَاتَهُ مِنْهَا وَلم يمسك طول عمره ميزانا وَلَا مكيالا وَلَا تعاطى بيعا وَلَا شِرَاء وَلَا ملك دَارا وَلَا عقارا وَجَمِيع أَهله وخدمه أُمَرَاء عَلَيْهِ يرجع إِلَى قَوْلهم فِي أَمر الدُّنْيَا والمعيشة دون غَيره وَهَذَا حَال الزهاد فِي الدُّنْيَا بل كَانَ تَارِكًا لاختياره مَعَ اخْتِيَار طلبته فِي الْقِرَاءَة ومقدارها وإجابته كل من سَأَلَهُ فِي الْقِرَاءَة مراعيا لجبر خاطرهم رَحمَه الله وإيانا ونفعنا بِهِ، وَكتب لشيخه فِي أَبْيَات مِنْهَا:
(ثمَّ على من اقتفاهم فِي الْأَثر ... وَبعده فقد قَرَأت الْمُخْتَصر)
(أعنى بِهِ الْإِرْشَاد فرع الْحَاوِي ... مَعَ شَرحه عمدتي الفتاوي)
(قِرَاءَة بالبحث وَالتَّحْقِيق ... محكمَة بالفحص والتدقيق)
)
(ثمَّ سَمِعت مرّة هذَيْن ... مَعَ الْفَقِيه الْفَاضِل الْحُسَيْن)
(على الإِمَام شَيخنَا المُصَنّف ... الْفَاضِل الصَّدْر البليغ الشّرف)
(شيخ الشُّيُوخ الْمُفْهم العلامه ... اللوذعي المصقع الفهامه)
(أبي الذَّبِيح إِسْمَاعِيل بن الْمقري ... الشاوري الشغدري الْمقري)
(لَا بَرحت أفكاره تجول ... فِي كل مَا لَا تُدْرِكهُ الْعُقُول)
(فكم بِهِ من معضل قد اتَّضَح ... وحاسد معاند قد افتضح)
(لَا زَالَ بالأقلام وَاللِّسَان ... مدمر المزور الْبُهْتَان)
(يصدع بِالْحَقِّ وَبِالْقُرْآنِ ... معتصما بِاللَّه وَالْإِيمَان)
(مناصرا فِي الله لِلْإِسْلَامِ ... يذب عَنهُ وَله يحامي)
(من لم يسلم كل مَا أَقُول ... فَهُوَ حسود وَبِه جهول)
إِلَى أَن قَالَ:
(وَبعدهَا أجَاز لي الروايه ... بشرطها عِنْد أولي الدرايه)
(فِي كل مَا صنفه أَو قَالَه ... نثرا ونظما وَجَمِيع مَاله)
(أجَازه فِيهِ كروض الطَّالِب ... وَغَيره من حسن المناقب)
فَأَجَابَهُ شَيْخه بقوله:
(هَذَا صَحِيح كَانَ مَا قد ذكرا ... من أَنه قرا عَليّ مَا قرا)