فرسخا وَقد سرنا مَعَ الْقَافِلَة فِي هَذَا الطَّرِيق وَكَانَت الصَّحرَاء غَايَة فِي الاسْتوَاء إِلَّا أَن بهَا أحجارا كَثِيرَة بِحَيْثُ لَا تَسْتَطِيع الدَّوَابّ أَن تخطو خطْوَة وَاحِدَة من غير أَن تعثر بِحجر وَقد بلغنَا حران يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من جُمَادَى الآخر سنة ٣٣ {٢٨ ديسمبر ١٠٤٦) الْمُوَافق اثْنَيْنِ وَعشْرين من شهر دي الْقَدِيم وَكَانَ هواؤها فِي ذَلِك الْوَقْت كهواء خُرَاسَان أَيَّام النوروز
وسرنا من هُنَاكَ فَبَلغنَا مَدِينَة تسمى قرول حَيْثُ أضافنا رجل كريم فِي بَيته وَهُنَاكَ دخل أَعْرَابِي فِي السِّتين من عمره فاقترب مني وَقَالَ حفظني الْقُرْآن فلقنته {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} فَكَانَ يقْرؤهَا معي فَلَمَّا وصلت إِلَى آيَة {من الْجنَّة وَالنَّاس} قَالَ أَقُول أَيْضا سُورَة أَرَأَيْت النَّاس فَقلت هَذِه السُّورَة لَيست قبل تِلْكَ فَقَالَ مَا سُورَة نقالة الْحَطب وَلم يعرف أَنه قيل فِي سُورَة {تبت} حمالَة الْحَطب لَا نقالة الْحَطب وَلم يسْتَطع هَذَا الْأَعرَابِي المشرف على السِّتين فِي تِلْكَ اللَّيْلَة أَن يحفظ سُورَة {قل أعوذ} مَعَ تكراري لَهَا مَعَه
وَفِي يَوْم السبت الثَّانِي من رَجَب سنة ٣٣ {٢ يناير ١٠٤٧) بلغنَا مَدِينَة سروج واجتزنا الْفُرَات فِي الْيَوْم التَّالِي ونزلنا فِي منبج وَهِي أول مدن الشَّام وَكَانَ هَذَا أول بهمن الْقَدِيم يناير فبراير والطقس هُنَاكَ معتدل جدا وَلم يكن خَارج الْمَدِينَة عمارات قطّ وَقد سرت مِنْهَا إِلَى حلب وَمن ميافارقين إِلَيْهَا إِلَى حلب مائَة فَرسَخ
وَرَأَيْت مَدِينَة حلب فَإِذا هِيَ جميلَة بهَا سور عَظِيم قست ارتفاعه فَكَانَ خمْسا وَعشْرين ذِرَاعا وَبهَا قلعة عَظِيمَة مشيدة كلهَا من الصخر وَيُمكن مُقَارنَة حلب ببلخ وَهِي مَدِينَة عامرة أبنيتها متلاصقة وفيهَا تحصل المكوس عَمَّا يمر بهَا من بِلَاد الشَّام وَالروم وديار بكر ومصر وَالْعراق