فكل واحد من هؤلاء الذين ذكرت تأريخهم في هذه الأبيات أرّخ تأريخا خاصا على قرب زمان بعضهم من بعض، وقرب وقت ما أرخ به من وقت الآخر، ولو كان لهم تأريخ معروف كما للمسلمين اليوم ولسائر الأمم غيرهم لكانوا لا يتعدونه، ولكن الأمر عندهم على ما ذكرنا".
انتهى كلام الطبرى.
لهذا فإن تحديد أعمار المعمرين في كتاب السجستاني لا يعنى واقع سنيّ حياتهم، وإنما هو دلالة على طول الحياة في روايات تناقلتها الأجيال، وأصابها من النقلة ما أصاب غيرها من أخبار العرب وتواريخهم.
وليس معنى هذا أن الأقدمين كانوا مثلنا في طول العمر، فهم بلا شك قوم أوتوا بسطة في الأجسام، وطولا في الأعمار (١)، وكانوا أطول منا أعمارا، وكان المعمرون بينهم أطول أعمارا من المعمرين بيننا، وهو ما تقوم عليه شواهد حياتنا، ويؤيده الواقع من النظريات العلمية الحديثة، ولقد بينت البحوث العلمية أن الإنسان قادر على أن يعيش خمسين ومائة سنة إذا عرف كيف يتحكم في أعضائه فلا يدع التلف يسرى في جسمه، باستسلامه لانفعالاته من غضب وحُزن، وحقد وقلق، حتى لا يثير غدده فتصبّ في دمه مواد كيماوية، يؤدى بعضها إلى ضعف الأعضاء وعجزها عن أداء وظيفتها؛ وما كان العرب في بيئتهم إلا أهل انبساط ودعة.
* * *
وإن المستقرى لأخبار المعمّرين المبثوثة في كتب الأدب العربي يجد أن أبا حاتم السجستاني لم يذكر في كتابه "المعمرين" طائفة أخرى منهم، اشتهروا في الجاهلية بكبر أعمارهم وكانت لهم روايات وأخبار وأشعار عنى بتدوينها المتأخرون عن أبي حاتم،