" مالكم أيها الناس كأنكم تخشون مثل مقالتي عاما أول، إني والله لو كان الله تعالى أمرني بما قلت لكم ما أعتبتكم ولا استعتبت، ولكنه رأى مني، فإذا أبيتم فأنتم أبصر، أوصيكم بخصلتين، الدّين والحسب، فأما الدين فلَّله، ومن أعطيتموه عهدا ففوا له، ومن أعطاكم عهدا فارعوا عهده حتى تردّوه إليه؛ فأما الحسب فبذل النَّوال ".
فقال: " أوصيكم بأحسابكم فإنها مقدم وافدكم، وشرفكم في محافلكم، وكفاف وجوهكم، وعنى معدمكم؛ وأوصيكم بالسائل إن كان منكم أن يسأل غيركم؛ وإن كان من سواكم وتيمّمكم فلا تخطُّنَّه ما رجا فيكم، واستوصوا بذوي أسنانكم خيرا، أجملوا مخاطبتهم، وقدّموهم أمامكم، وزيِّنوا بهم مجالسكم، وأوصيكم ببيوت الشرف فيكم، أقيموا لهم شرفهم، ولا تنزعوا الرئاسة منهم حتى لا تجدوا لها منهم أهلا، وأوصيكم بالحرب، إن ظفرتم بقوم فابقوا فيهم، فإنه حسب لكم، ويد عند عدوِّكم، فإنّ من ظفرتم به فهو ظافر بكم لا بدّ، وهو عامل فيكم بما عملتم به فيه، فلا تقتلن أسيرا فإنه ذحل عندكم ومصيبة فيكم، وإنما هو مال من مالكم، وإن الأسراء تجارة من تجارات العرب فلا تسألنّ أسيركم فوق ما عنده فيموت في أيديكم، فلا يستأسر بعده أحدٌ بكم، وأكثروا العتاقة في أسراء العرب، ودعوا العرب ترجوكم وتستبقيكم.
وأوصيكم بالضيف، فإنّ كّلًا إذا قال لم يسمع منه حتى يقول الضيف، فلا يخرجنَّ من عندكم وهو يستطيع أن يقول فيكم، وأوصيكم بالجيران فأكرموهم، فلا تغشوا منازلهم، وليصحبهم ذوو أسنانكم، وامنعوا فتيانكم صحابتهم، وأوصيكم بالخفراء خيرا فلا تغرِّموهم في غرمكم، وأغرموا في غرمهم فإنّهم عدّة لكم، يعينونكم ما داموا فيكم، وينقصونكم إذا فارقوكم ويعينون عليكم