وأما ابن داب فقال، لما ثقل معاوية بعث إلى يزيد ابنه، وهو في بعض ضياعه، فأتاه غلام له، يقال له " عجلان " فأخبر بثقله، فأقبل، وقال في ذلك شعرا:
جاءَ البريد بقرطاس يخبُّ به … فأَوجس القلب من قرطاسة جزعا
قالوا، لك الويل، ما في كتابكم … قالوا، الخليفة أَمسى مدنفا وجعا
فمادت الأرض أَو كادت تميد بنا … كأَنَّ أَغبر من أَركانها انصدعا
من لا تزل نفسه توفى على شرف … توشك مقادير تلك النَّفس أَن تقعا
لمَّا انتهينا وباب الدار منصفق … لصوت رملة ريع القلب فانصدعا
فلما دخل على معاوية خلا به، وأخرج عنه أهل بيته.
فقال: يا بنيَّ، قد جاء أمر الله، وهذا أوان هلاكي، فما أنت صانع بهذه الأمة من بعدي؟ فمن أجلك آثرت الدنيا على الآخرة، وحملت الوزر على ظهري لتعلو بني أبيك.
قال يزيد: آخذهم بكتاب الله وسنّة نبيّه ﷺ، آخذهم به، وأقتلهم عليه.
فقال: أو لا تسير بسيرة أبي بكر الذي قاتل أهل الردّة، ومضى والأمة عنه راضون؟ قال: لا، إلا بكتاب الله وسنّة نبيّه، آخذهم به، وأقتلهم عليه.
قال: أولا تسير بسيرة عمر الذي مصّر الأمصار، وجنّد الأجناد، وفرض العطيّة، وجبي الفيء، وقاتل العدوّ، ومضى والأمة عنه راضون.
قال: لا، إلا بكتاب الله وسنة رسوله، آخذهم به، وأقتلهم عليه.
قال: أولا تأخذ بسيرة عثمان عمك الذي أكل في حياته، وورّث في مماته، واستعمل أقاربه؟ قال: لا، إلا بكتاب الله وسنة نبيه، آخذهم به وأقتلهم عليه.
قال: أولا تسير بسيرة أبيك الذي أكل في حياته وورث بعد وفاته، واحتمل الوزر على ظهره؟