فمات أبو عبيدة، فقام معاذ في الناس، فقال: يا أيها الناس، توبوا إلى ربكم من ذنوبكم توبة نصوحا، فإن عبدا يلقى الله تائبا من ذنبه إلا كان حقا على الله أن يغفر له، ومن كان عليه دين فليقضه، فإن العبد مرتهن بدينه، ومن أصبح منكم مهاجرا أخاه فليصافحه، فإنه لا ينبغي للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، والذَّنب في ذلك عظيم.
أيها الناس، قد فجعتم برجل ما أرى أني رأيت عبدا من عباد الله قطّ أبرأ صدرا منه، ولا أبعد منه غائلة، ولا أشد حبّا للعافية، ولا أنصح للعامة منه، فترحّموا عليه، رحمة الله، واحضروا الصلاة عليه، رحمة الله عليه.
وصية معاذ بن جبل قال أبو حاتم، وحدثونا عن لوط بن يحيى قال، حدثني الصَّقعب بن زهير عن شهر بن حوشب قال: أتى آت معاذ بن جبل عند موته، فقال، أوصني بما ينفعني قبل أن تفارقني ولا أراك ولا تراني، ثم لعلّي أحتاج إلى سؤال بعدك فلا أجد فيهم مثلك.
فقال له معاذ: بل صلحاء الناس كثير بحمد الله، ولن يضيِّع الله أهل هذا الدِّين، خذ عنِّي ما آمرك به، وأوصيك به، " كن من الصامتين بالنهار، والمستغفرين بالأسحار، والذاكرين الله على كل حال، ولا تشرب الخمر، ولا تعقَّنَّ والديك، ولا تأكل مال اليتيم، ولا تفرَّ من الزحف، ولا تدع الصلاة المكتوبة، وصل رحمك، وانصح لجماعة المسلمين، وكن بالمؤمنين رءوفا رحيما، وأنا لك بالجنة زعيم ".