فلما دخلوا قال: مَرْحباً بكم، سَلُوني ما شئتم إلا أُساري عندي.
فطلب إليه القوم حوائجهم؛ وأبي أكثم أن يسأله.
فقيل له: ما يمنعك؟ قال: قد علم قومي أني من أكثرهم مالا، وجئنا لأمرٍ قد نُهينا عنه.
فقال النعمان: ما أراهم إلا سيغنمون، وتخيبُ.
قال ذلك لهم ثلاثا، يقول النعمان مثل مقالته، ويقول أكثم مثل مقالته، ثم أذن له في الرابعة في القول.
فتكلم أكثم، فقال:" أَبَيتَ اللَّعْنَ، قد علم قومي أني من أكثرهم مالا، ولم أسأل أحدا شيئا، إن المسأَلةَ مِنْ أَضعف المكسَبَةِ، وقد تجوع الحرَّةُ ولا تأكل بثدييها، إن من سلك الجدد أَمن العثارَ، ولم يجر سالكُ القَصْدِ، ولم يعم على القاصد مذهبه، من شدّد نفَّر، ومن ترَاخَى تألَّفَ، والشرُ التَّغافل، وأحسن القول أوجزه، وخير الفقه ما حاضرْت به ".
فقال النعمان: سل حاجتك.
فقال: ناقتُكَ برحلها، وخلعتك، وكلُّ مكْروبٍ بالقطقطانة والحيرة عرفني.
قال: ذاك لك.
فركب ناقته في كُسْونه، ثم نادى، يا أهل السجن، إن النعمان قد جعل لي من عرفني.