للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالصغير، وأخِّر الغضب فإن القدرة من ورائك، وأقل الناس في البخل عذرا أقلُّهم تخوُّفا للفقر، وأقبح أعمال المقتدرين الانتقام، جاز بالحسنة، ولا تكافئ بالسَّيِّئة، فإن أغني الناس عن الحقد من عظم خطره عن المجازاة، وإن الكريم غير المدافع إذا صال بمنزلة اللئيم البطر، من حسد من دونه قلّ عذره، ومن حسد من فوقه فقد أتعب نفسه، من جعل لحسن الظَّنِّ نصيبا روَّح عن قلبه، وأصدر به أمره ".

وكتب الحارث بن أبي شمر الغسَّاني ملك عرب الشام إلى أكثم بن صيفي بن رباح، أن هرقل نزل بنا، فقامت خطباءُ غسّان فتلقَّته بأمر حسن، فوافقه، فأعجب به، فعجب من رأيهم وأحلامهم، وأعجبني ما رأيت منهم، ففخرت بهم عليه، فقال: هذا أدبي فإن جهلت ذاك فانظر، هل بجزيرة العرب مثل هؤلاء حكمة، وعقولا، وألسنة.

فكتب إليه أكثم: " إن المروءة أن تكون عالما كجاهل، وناطقا كَعييّ، والعلم مرشدة، وترك ادّعائه ينفي الحسد، والصَّمت يكسب المحبَّة، وفضل القول على الفعل لؤم، وفضل الفعل على القول مكرمة، ولم يلزَّ الكذب بشيء إلا غلب عليه، وشرّ الخصال الكذب، والصَّديق من الصِّدق سمِّىَ، والقلب يتّهم وإن صدق اللسان، والانقباض من الناس مكسبة للعداوة، والتقرُّب من الناس مجلبة لجليس السُّوءِ، فكن من الناس بين المنقبض والمسترسل، وخير الأمور

<<  <  ج: ص:  >  >>