للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المناهي فَإِنَّهُ وَإِن عد عَاصِيا مذنبا فَإِنَّهُ مُطِيع بامتثال الْأَمر عَاص بارتكاب النَّهْي بِخِلَاف تَارِك الْأَمر فَإِنَّهُ لَا يعد مُطيعًا باجتناب المنهيات خَاصَّة الْوَجْه الْعَاشِر أَن امْتِثَال الْأَمر عبودية وتقرب وخدمة وَتلك الْعِبَادَة الَّتِي خلق لأَجلهَا الْخلق كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا ليعبدون} فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَنه إِنَّمَا خلقهمْ لِلْعِبَادَةِ وَكَذَلِكَ إِنَّمَا أرسل إِلَيْهِم رسله وَأنزل عَلَيْهِم كتبه ليعبدوه فالعبادة هِيَ الْغَايَة الَّتِي خلقُوا لَهَا وَلم يخلقوا لمُجَرّد التّرْك فَإِنَّهُ أَمر عدمي لَا كَمَال فِيهِ من حَيْثُ هُوَ عدم بِخِلَاف امْتِثَال الْمَأْمُور فَإِنَّهُ أَمر وجودي مَطْلُوب الْحُصُول وَهَذَا يتَبَيَّن بِالْوَجْهِ الْحَادِي عشر وَهُوَ أَن الْمَطْلُوب بِالنَّهْي عدم الْفِعْل وَهُوَ أَمر عدمي وَالْمَطْلُوب بِالْأَمر إِيجَاد فعل وَهُوَ أَمر وجودي فمتعلق الْأَمر الايجاد ومتعلق النَّهْي الإعدام أَو الْعَدَم وَهُوَ أَمر لَا كَمَال فِيهِ إِلَّا إِذا تضمن أمرا وجوديا فَإِن الْعَدَم من حَيْثُ هُوَ عدم لَا كَمَال فِيهِ وَلَا مصلحَة إِلَّا إِذا تضمن أمرا وجوديا مُطلقًا وَذَلِكَ الْأَمر الوجودي مَطْلُوب مَأْمُور بِهِ فَعَادَت حَقِيقَة النَّهْي إِلَى الْأَمر وَأَن الْمَطْلُوب بِهِ مَا فِي ضمن النَّهْي من الْأَمر الوجودي الْمَطْلُوب بِهِ وَهَذَا يَتَّضِح بِالْوَجْهِ الثَّانِي عشر وَهُوَ أَن النَّاس اخْتلفُوا فِي الْمَطْلُوب بِالنَّهْي على أَقْوَال أَحدهَا أَن الْمَطْلُوب بِهِ كف النَّفس عَن الْفِعْل وحبسها عَنهُ وَهُوَ أَمر وجودي قَالُوا لِأَن التَّكْلِيف إِنَّمَا يتَعَلَّق بالمقدور والعدم الْمَحْض غير مَقْدُور وَهَذَا قَول الْجُمْهُور وَقَالَ أَبُو هَاشم وَغَيره بل الْمَطْلُوب عدم الْفِعْل وَلِهَذَا يحصل الْمَقْصُود من بَقَائِهِ على الْعَدَم وَإِن لم يخْطر بِبَالِهِ الْفِعْل فضلا أَن يقْصد الْكَفّ عَنهُ وَلَو كَانَ الْمَطْلُوب الْكَفّ لَكَانَ عَاصِيا إِذا لم يَأْتِ بِهِ وَلِأَن النَّاس يمدحون بِعَدَمِ فعل الْقَبِيح من لم يخْطر بِبَالِهِ فعله والكف عَنهُ وَهَذَا أحد قولي القَاضِي أبي بكر ولأجله الْتزم أَن عدم الْفِعْل مَقْدُور للْعَبد وداخل تَحت الْكسْب قَالَ وَالْمَقْصُود بِالنَّهْي الْإِبْقَاء على الْعَدَم الْأَصْلِيّ وَهُوَ مَقْدُور وَقَالَت طَائِفَة الْمَطْلُوب بِالنَّهْي فعل الضِّدّ فَإِنَّهُ هُوَ الْمَقْدُور وَهُوَ الْمَقْصُود للناهي فَإِنَّهُ إِنَّمَا نَهَاهُ عَن الْفَاحِشَة طلبا

<<  <   >  >>