للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كَأَنَّهُ قيل لزم الْميل إِلَى الأَرْض وَمن هَذَا يُقَال أخلد فلَان بِالْمَكَانِ إِذا لزم الْإِقَامَة بِهِ قَالَ مَالك بن نُوَيْرَة

بأبناء حَيّ من قبائل مَالك ... وَعَمْرو بن يَرْبُوع أَقَامُوا فأخلدوا

وعبّر عَن ميله إِلَى الدُّنْيَا بإخلاده إِلَى الأَرْض لِأَن الدُّنْيَا هِيَ الأَرْض وَمَا فِيهَا وَمَا يسْتَخْرج مِنْهَا من الزِّينَة وَالْمَتَاع وثامنها أَنه رغب عَن هداه وَاتبع هَوَاهُ فَجعل هَوَاهُ إِمَامًا لَهُ يَقْتَدِي بِهِ ويتبعه وتاسعها أَنه شبهه بالكلب الَّذِي هُوَ أخس الْحَيَوَانَات همة وأسقطها نفسا وأبخلها وأشدها كَلْبا وَلِهَذَا سمي كَلْبا وعاشرها أَنه شبه لهثه على الدُّنْيَا وَعدم صبره عَنْهَا وجزعه لفقدها وحرصه على تَحْصِيلهَا بلهث الْكَلْب فِي حالتي تَركه وَالْحمل عَلَيْهِ بالطرد وَهَكَذَا هَذَا إِن ترك فَهُوَ لهثان على الدُّنْيَا وَإِن وعظ وزجر فَهُوَ كَذَلِك فاللهث لَا يُفَارِقهُ فِي كل حَال كلهث الْكَلْب قَالَ ابْن قُتَيْبَة كل شَيْء يَلْهَث فَإِنَّمَا يَلْهَث من إعياء أَو عَطش إِلَّا الْكَلْب فَإِنَّهُ يَلْهَث فِي حَال الكلال وَحَال الرَّاحَة وَحَال الرّيّ وَحَال الْعَطش فَضَربهُ الله مثلا لهَذَا الْكَافِر فَقَالَ إِن وعظته فَهُوَ ضال وَإِن تركته فَهُوَ ضال كَالْكَلْبِ إِن طردته لهث وَإِن تركته على حَاله لهث وَهَذَا التَّمْثِيل لم يَقع بِكُل كلب وَإِنَّمَا وَقع بالكلب اللاهث وَذَلِكَ أخس مَا يكون وأشنعه

فصل فَهَذَا حَال الْعَالم الْمُؤثر الدُّنْيَا على الْآخِرَة وَأما العابد الْجَاهِل

فآفته من إعراضه عَن الْعلم وَأَحْكَامه وَغَلَبَة خياله وذوقه ووجده وَمَا تهواه نَفسه وَلِهَذَا قَالَ سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة وَغَيره احْذَرُوا فتْنَة الْعَالم الْفَاجِر وفتنة العابد الْجَاهِل فَإِن فتنتهما فتْنَة لكل مفتون فَهَذَا بجهله يصد عَن الْعلم وموجبه وَذَاكَ بغيّه يَدْعُو إِلَى الْفُجُور وَقد ضرب الله سُبْحَانَهُ مثل النَّوْع الآخر بقوله {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا}

<<  <   >  >>