ارْتِكَاب النَّهْي وَإِن هويته نَفسه ومالت إِلَيْهِ وَإِن عواقبه كلهَا آلام وأحزان وشرور ومصائب وخاصة الْعقل تحمل الْأَلَم الْيَسِير لما يعقبه من اللَّذَّة الْعَظِيمَة وَالْخَيْر الْكثير وَاجْتنَاب اللَّذَّة الْيَسِيرَة لما يعقبه من الْأَلَم الْعَظِيم وَالشَّر الطَّوِيل فَنظر الْجَاهِل لَا يُجَاوز المباديء إِلَى غاياتها والعاقل الكيّس دَائِما ينظر إِلَى الغايات من وَرَاء ستور مبادئها فَيرى مَا وَرَاء تِلْكَ الستور من الغايات المحمودة والمذمومة فَيرى المناهي كطعام لذيذ قد خلط فِيهِ سم قَاتل فَكلما دعنه لذته إِلَى تنَاوله نَهَاهُ مَا فِيهِ من السم وَيرى الْأَوَامِر كدواء كريه المذاق مفض إِلَى الْعَافِيَة والشفاء وَكلما نَهَاهُ كَرَاهَة مذاقه عَن تنَاوله أمره نَفعه بالتناول وَلَكِن هَذَا يحْتَاج إِلَى فضل علم تدْرك بِهِ الغايات من مبادئها وَقُوَّة صَبر يوطن بِهِ نَفسه على تحمّل مشقة الطَّرِيق لما يؤول اعند الْغَايَة فَإِذا فقد الْيَقِين وَالصَّبْر تعذّر عَلَيْهِ ذَلِك وَإِذا قوي يقينه وَصَبره هان عَلَيْهِ كل مشقة يتحملها فِي طلب الْخَيْر الدَّائِم واللذة الدائمة
وَمن أسرار هَذِه الْآيَة أَنَّهَا تَقْتَضِي من العَبْد التَّفْوِيض إِلَى من يعلم عواقب الْأُمُور وَالرِّضَا بِمَا يختاره لَهُ ويقضيه لَهُ لما يَرْجُو فِيهِ من حسن الْعَاقِبَة وَمِنْهَا أَنه لَا يقترح على ربه وَلَا يخْتَار عَلَيْهِ وَلَا يسْأَله مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ علم فَلَعَلَّ مضرّته وهلاكه فِيهِ وَهولا يعلم فَلَا يخْتَار على ربه شَيْئا بل يسْأَله حسن الِاخْتِيَار لَهُ وَأَن يرضيه بِمَا يختاره فَلَا أَنْفَع لَهُ من ذَلِك وَمِنْهَا أَنه إِذا فوَّض إِلَى ربه وَرَضي بِمَا يختاره لَهُ أمده فِيمَا يختاره لَهُ بِالْقُوَّةِ عَلَيْهِ والعزيمة وَالصَّبْر وَصرف عَنهُ الْآفَات الَّتِي هِيَ عرضة اخْتِيَار العَبْد لنَفسِهِ وَأرَاهُ من حسن عواقب اخْتِيَاره لَهُ مَا لم يكن ليصل إِلَى بعضه بِمَا يختاره هُوَ لنَفسِهِ وَمِنْهَا أَنه يريحه من الأفكار المتعبة فِي أَنْوَاع الاختيارات ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيرات الَّتِي يصعد مِنْهُ فِي عقبَة وَينزل فِي أُخْرَى وَمَعَ هَذَا فَلَا خُرُوج لَهُ عَمَّا قدر عَلَيْهِ فَلَو رَضِي بِاخْتِيَار الله أَصَابَهُ الْقدر وَهُوَ مَحْمُود مشكور ملطوف بِهِ فِيهِ وَإِلَّا جرى عَلَيْهِ الْقدر وَهُوَ مَذْمُوم غير ملطوف بِهِ فِيهِ لِأَنَّهُ مَعَ اخْتِيَاره لنَفسِهِ وَمَتى صَحَّ تفويضه وَرضَاهُ اكتنفه فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute