للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والبريء بِالْعَذَابِ فأفلس هَذَا الْمِسْكِين من اعْتِقَاد كَون الْأَعْمَال نافعة أَو ضارة فَلَا بِفعل الْخَيْر يسْتَأْنس وَلَا بِفعل الشَّرّ يستوحش وَهل فِي التنفير عَن الله وتبغيضه إِلَى عباده أَكثر من هَذَا وَلَو اجْتهد الْمَلَاحِدَة على تبغيض الدّين والتنفير عَن الله لما أَتَوا بِأَكْثَرَ من هَذَا وَصَاحب هَذِه الطَّرِيقَة يظنّ أَنه يُقرر التَّوْحِيد وَالْقدر وَيرد على أهل الْبدع وينصر الدّين ولعمر الله الْعَدو الْعَاقِل أقل ضَرَرا من الصّديق الْجَاهِل وَكتب الله الْمنزلَة كلهَا وَرُسُله كلهم شَهَادَة بضد ذَلِك وَلَا سِيمَا الْقُرْآن فَلَو سلك الدعاة المسلك الَّذِي دَعَا الله وَرَسُوله بِهِ النَّاس إِلَيْهِ لصلح الْعَالم صلاحا لَا فَسَاد مَعَه فَالله سُبْحَانَهُ أخبر وَهُوَ الصَّادِق الوفي أَنه إِنَّمَا يُعَامل النَّاس بكسبهم ويجازيهم بأعمالهم وَلَا يخَاف المحسن ليده ظلما وَلَا هضما وَلَا يخَاف بخسا وَلَا رهقا وَلَا يضيع عمل محسن أبدا وَلَا يضيع على العَبْد مِثْقَال ذرة لَا يظلمها وَإِن تَكُ حَسَنَة يُضَاعِفهَا وَيُؤْت من لَدنه أجرا عَظِيما وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل جازاه بهَا وَلَا يضيعها عَلَيْهِ وَأَنه يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مثلهَا ويحبطها بِالتَّوْبَةِ والندم وَالِاسْتِغْفَار والحسنات والمصائب وَيجْزِي بِالْحَسَنَة عشر أَمْثَالهَا ويضاعفها إِلَى سَبْعمِائة ضعف إِلَى أَضْعَاف كَثِيرَة وَهُوَ الَّذِي أصلح الفاسدين وَأَقْبل بقلوب المعرضين وَتَابَ على المذنبين وَهدى الضَّالّين وأنقذ الهالكين وَعلم الْجَاهِلين وبصر المتحيزين وَذكر الغافلين وآوى الشاردين وَإِذا أوقع عقَابا أوقعه بعد شدَّة التمرد والعتو عَلَيْهِ ودعوة العَبْد إِلَى الرُّجُوع إِلَى إِلَيْهِ وَالْإِقْرَار بربوبيته وَحقه مرّة بعد مرّة حَتَّى إِذا يأس من استجابته وَالْإِقْرَار بربوبيته ووحدانيته أَخذه بِبَعْض كفره وعتوّه وتمرّده بِحَيْثُ يعْذر العَبْد من نَفسه ويعترف بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لم يَظْلمه وَأَنه هُوَ الظَّالِم لنَفسِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَن أهل النَّار فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ وَقَالَ عَمَّن أهلكهم فِي الدُّنْيَا أَنهم لما رَأَوْا آيَاته وأحسوا حصيدا بعذابه قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ وَقَالَ أَصْحَاب الْجنَّة الَّتِي أفسدها عَلَيْهِم لما رأوها

<<  <   >  >>