للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعزم على تَنْفِيذ مَا فِيهِ صلح للمراتب والمناصب الَّتِي يصلح لَهَا الموفون بعهودهم فَإِذا هز نَفسه عِنْد أَخذ الْعَهْد وانتحاها وَقَالَ قد أُهِّلْت لعهد رَبِّي فَمن أولى بقبوله وفهمه وتنفيذه مني فحرص أَولا على فهم عَهده وتدبره وتعرفه وَصَايَا سَيّده لَهُ ثمَّ وطّن نَفسه على امْتِثَال مَا فِي عَهده وَالْعَمَل بِهِ وتنفيذه حَسْبَمَا تضمنه عَهده فأبصر بِقَلْبِه حَقِيقَة الْعَهْد وَمَا تضمنه فاستحدث همة أُخْرَى وعزيمة غير الْعَزِيمَة الَّتِي كَانَ فِيهَا وَقت الصِّبَا قبل وُصُول الْعَهْد فاستقال من ظلمَة غرَّة الصِّبَا والانقياد للْعَادَة والمنشأ وصبر على شرف الهمة وهتك ستر الظلمَة إِلَى نور الْيَقِين فَأدْرك بِقدر صبره وَصدق اجْتِهَاده مَا وهبه الله لَهُ من فَضله فَأول مَرَاتِب سعادته أَن تكون لَهُ أذن وَاعِيَة وقلب يعقل مَا تعيه الْأذن فَإِذا سمع وعقل واستبانت لَهُ الجادة وَرَأى عَلَيْهَا تِلْكَ الْأَعْلَام وَرَأى أَكثر النَّاس منحرفين عَنْهَا يَمِينا وَشمَالًا فلزمها وَلم ينحرف مَعَ المنحرفين الَّذين كَانَ سَبَب انحرافهم عدم قبُول الْعَهْد أَو قبلوه بكره وَلم يأخذوه بِقُوَّة وَلَا عَزِيمَة وَلَا حدثوا أنفسهم بفهمه وتدبره وَالْعَمَل بِمَا فِيهِ وتنفيذ وَصَايَاهُ بل عرض غيهم الْعَهْد وَمَعَهُمْ ضراوة الصِّبَا وَدين الْعَادة وَمَا ألفوا عَلَيْهِ الْآبَاء والأمهات فتلقوا الْعَهْد تلقي من هُوَ مكتف بِمَا وجد عَلَيْهِ آباءه وسلفه وعادتهم لَا تَكْفِي من يجمع همه وَقَلبه على فهم الْعَهْد وَالْعَمَل بِهِ حَتَّى كَأَن ذَلِك الْعَهْد أَتَاهُ وَحده وَقيل لَهُ تَأمل مَا فِيهِ ثمَّ اعْمَلْ بِمُوجبِه فَإِذا لم يتلق عَهده هَذَا التلقي أخلد إِلَى سير الْقَرَابَة وَمَا استمرت عَلَيْهِ عَادَة أَهله وَأَصْحَابه وجيرانه وَأهل بَلَده فَإِن علت همته أخلد إِلَى مَا عَلَيْهِ سلفه وَمن تقدمه من غير الْتِفَات إِلَى تدبر الْعَهْد وفهمه فَرضِي لنَفسِهِ أَن يكون دينه دين الْعَادة فَإِذا شامه الشَّيْطَان وَرَأى هَذَا مبلغ همته وعزيمته رَمَاه بالعصبية وَالْحمية للآباء وسلفه وزيّن لَهُ أَن هَذَا هُوَ الْحق وَمَا خَالفه بَاطِل وَمثل لَهُ الْهدى فِي صُورَة الضلال والضلال فِي صُورَة الْهدى بِتِلْكَ العصبية وَالْحمية الَّتِي أسست على غير علم فرضاه أَن يكون مَعَ عشيرته وَقَومه لَهُ مَا لَهُم وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم فخذل عَن الْهدى وولاه الله مَا تولّى فَلَو جَاءَهُ كل هدى يُخَالف قومه وعشيرته لم يره

<<  <   >  >>