وشرّ الْمَخْلُوقَات إِذا تبَاعد عَنهُ وَلم يَتَحَرَّك قلبه لقُرْبه وطاعته وابتغاء مرضاته فَمَتَى اخْتَار التقرّب إِلَيْهِ وآثره على نَفسه وهواه فقد حكم قلبه عقله وإيمانه على نَفسه وشيطانه وحكّم رشده على غيّه وهداه على هَوَاهُ وَمَتى اخْتَار التباعد مِنْهُ فقد حكم نَفسه وهواه وشيطانه على عقله وَقَلبه ورشده
وَأعلم أَن الخاطرات والوساوس تُؤدِّي متعلقاتها إِلَى الْفِكر فيأخذها الْفِكر فيؤديها إِلَى التَّذَكُّر فيأخذها الذّكر فيؤديها إِلَى الْإِرَادَة فتأخذها الْإِرَادَة فتؤديها إِلَى الْجَوَارِح وَالْعَمَل فتستحكم فَتَصِير عَادَة فرّدها من مبادئها أسهل من قطعهَا بعد قوتها وتمامها وَمَعْلُوم أَنه لم يُعْط الْإِنْسَان إماتة الخواطر وَلَا الْقُوَّة على قطعهَا فَإِنَّهَا تهجم عَلَيْهِ هجوم النَّفس إِلَّا أَن قُوَّة الْإِيمَان وَالْعقل تعينه على قبُول أحْسنهَا وَرضَاهُ بِهِ ومساكنته لَهُ وعَلى رفع أقبحها وكراهته لَهُ نفرته مِنْهُ كَمَا قَالَ الصَّحَابَة يَا رَسُول الله إِن أَحَدنَا يجد فِي نَفسه مَا لِأَن يَحْتَرِق حَتَّى يصير حممة أحب إِلَيْهِ من أَن يتَكَلَّم بِهِ فَقَالَ أَو قد وجدتموه قَالُوا نعم قَالَ ذَاك صَرِيح الْإِيمَان وَفِي لفظ الْحَمد لله الَّذِي رد كَيده إِلَى الوسوسة وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا أَن رده وكراهيته صَرِيح الْإِيمَان وَالثَّانِي أَن وجوده وإلقاء الشَّيْطَان لَهُ فِي النَّفس صَرِيح الْإِيمَان فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَلْقَاهُ فِي النَّفس طلبا لمعارضة الْإِيمَان وإزالته بِهِ وَقد خلق الله سُبْحَانَهُ النَّفس شَبيهَة بالرحا الدائرة الَّتِي لَا تسكن وَلَا بُد لَهَا من شَيْء تطحنه فَإِن وضع فِيهَا حب طحنته وَإِن وضع فِيهَا تُرَاب أَو حصا طحنته فلأفكار والخواطر الَّتِي تجول فِي النَّفس هِيَ بِمَنْزِلَة الْحبّ الَّذِي يوضع فِي الرحا وَلَا تبقى تِلْكَ الرحا معطلة قطّ بل لَا بُد لَهَا من شَيْء يوضع فِيهَا فَمن النَّاس من تطحن رحاه حبا يخرج دَقِيقًا ينفع بِهِ نَفسه وَغَيره وَأَكْثَرهم يطحن رملا وحصا وتبنا وَنَحْو ذَلِك فَإِذا جَاءَ وَقت العجن وَالْخبْز تبيّن لَهُ حَقِيقَة طحينه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute