للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالْغَضَب والسخط والعقوبة انقمعت النَّفس الأمارة وَبَطلَت أَو ضعفت قواها من الشَّهْوَة وَالْغَضَب وَاللَّهْو واللعب والحرص على الْمُحرمَات وانقبضت أَعِنَّة رعوناتها فأحضرت المطية حظها من الْخَوْف والخشية والحذر وَإِذا تجلى بِصِفَات الْأَمر وَالنَّهْي والعهد وَالْوَصِيَّة وإرسال الرُّسُل وإنزال الْكتب شرع الشَّرَائِع انبعثت مِنْهَا قُوَّة الِامْتِثَال والتنفيذ لأوامره والتبليغ لَهَا والتواصي بهَا وَذكرهَا وتذكرها والتصديق بالْخبر والامتثال للطلب والاجتناب للنَّهْي وَإِذا تجلى بِصفة السّمع وَالْبَصَر وَالْعلم انْبَعَثَ من العَبْد قُوَّة الْحيَاء فيستحي ربه أَن يرَاهُ على مَا يكره أَو يسمع مِنْهُ مَا يكره أَو يخفي فِي سَرِيرَته مَا يمقته عَلَيْهِ فَتبقى حركاته وأقواله وخواطره موزونة بميزان الشَّرْع غير مُهْملَة وَلَا مُرْسلَة تَحت حكم الطبيعة والهوى وَإِذا تجلى بِصِفَات الْكِفَايَة والحسب وَالْقِيَام بمصالح الْعباد وسوق أَرْزَاقهم إِلَيْهِم وَدفع المصائب عَنْهُم وَنَصره لأوليائه وحمايته لَهُم ومعيته الْخَاصَّة لَهُم انبعثت من العَبْد قُوَّة التَّوَكُّل عَلَيْهِ والتفويض إِلَيْهِ وَالرِّضَا بِهِ وَمَا فِي كل مَا يجريه على عَبده ويقيمه مِمَّا يرضى بِهِ هُوَ سُبْحَانَهُ والتوكل معنى يلتئم من علم العَبْد بكفاية الله وَحسن اخْتِيَاره لعَبْدِهِ وثقته بِهِ وَرضَاهُ بِمَا يَفْعَله بِهِ ويختاره لَهُ وَإِذا تجلى بِصِفَات الْعِزّ والكبرياء أَعْطَتْ نَفسه المطمئنة مَا وصلت إِلَيْهِ من الذل لعظمته والانكسار لعزته والخضوع لكبريائه وخشوع الْقلب والجوارح لَهُ فتعلوه السكينَة وَالْوَقار فِي قلبه وَلسَانه وجوارحه وسمته وَيذْهب طيشه وقوته وحدته

وجماع ذَلِك أَنه سُبْحَانَهُ يتعرف إِلَى العَبْد بِصِفَات إلهيته تارّة وبصفات ربوبيته تَارَة فَيُوجب لَهُ شُهُود صِفَات الإلهية الْمحبَّة الْخَاصَّة والشوق إِلَى لِقَائِه والأنس والفرح بِهِ وَالسُّرُور بخدمته والمنافسة فِي قربه والتودد إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ واللهج بِذكرِهِ والفرار من الْخلق إِلَيْهِ وَيصير هُوَ وَحده همه دون مَا سواهُ وَيُوجب لَهُ شُهُود صِفَات الربوبية التَّوَكُّل عَلَيْهِ والافتقار إِلَيْهِ والاستعانة بِهِ والذل والخضوع والانكسار لَهُ وَكَمَال ذَلِك أَن يشْهد ربوبيته فِي إلهيته وإلهيته فِي ربوبيته وحمده فِي ملكه وعزه فِي عَفوه

<<  <   >  >>