للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لعجزوا عَن الْقيام بمصالحهم علما وَإِرَادَة وَعَملا لكنه سُبْحَانَهُ تولى تَدْبِير أُمُورهم بِمُوجب علمه وحكمته وَرَحمته أَحبُّوا أم كَرهُوا فَعرف ذَلِك الموقنون بأسمائه وَصِفَاته فَلم يتهموه فِي شَيْء من أَحْكَامه وخفي ذَلِك على الْجَهْل بِهِ وبأسمائه وَصِفَاته فنازعوه تَدْبيره وقدحوا فِي حكمته وَلم ينقادوا لحكمه وعارضوا حكمه بعقولهم الْفَاسِدَة وآرائهم الْبَاطِلَة وسياساتهم الجائرة فَلَا لرَبهم عرفُوا وَلَا لمصالحهم حصلوا وَالله الْمُوفق

وَمَتى ظفر العَبْد بِهَذِهِ الْمعرفَة سكن فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة فِي جنَّة لَا يشبه فِيهَا إِلَّا نعيم الْآخِرَة فَإِنَّهُ لَا يزَال رَاضِيا عَن ربه وَالرِّضَا جنَّة الدُّنْيَا ومستراح العارفين فَإِنَّهُ طيب النَّفس بِمَا يجْرِي عَلَيْهِ من الْمَقَادِير الَّتِي هِيَ عين اخْتِيَار الله لَهُ وطمأنينتها إِلَى أَحْكَامه الدِّينِيَّة وَهَذَا هُوَ الرِّضَا بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا وَمَا ذاق طعم الْإِيمَان من لم يحصل لَهُ ذَلِك وَهَذَا الرِّضَا هُوَ بِحَسب مَعْرفَته بِعدْل الله وحكمته وَرَحمته وَحسن اخْتِيَاره فَكلما كَانَ بذلك أعرف كَانَ بِهِ أرْضى فقضاء الرب سُبْحَانَهُ فِي عَبده دائر بَين الْعدْل والمصلحة وَالْحكمَة وَالرَّحْمَة لَا يخرج عَن ذَلِك الْبَتَّةَ كَمَا قَالَ فِي الدُّعَاء الْمَشْهُور اللَّهُمَّ إِنِّي عَبدك ابْن عَبدك ابْن أمتك ناصيتي بِيَدِك مَاض فِي حكمك عدل فِي قضاؤك أَسأَلك بِكُل اسْم هـ لَك سميت بِهِ نَفسك أَو أنزلته فِي كتابك أَو علّمته أحدا من خلقك أَو استأثرت بِهِ فِي علم الْغَيْب عنْدك أَن تجْعَل الْقُرْآن ربيع قلبِي وَنور صَدْرِي وجلاء حزني وَذَهَاب همي وغمي مَا قَالَهَا أحد قطّ إِلَّا أذهب الله همه وغمه وأبدله مَكَانَهُ فرجا قَالُوا أَفلا نتعلمهن يَا رَسُول الله قَالَ بِلَا يَنْبَغِي لمن يسمعهن أَن يتعلمهن

وَالْمَقْصُود قَوْله عدل فيّ قضاؤك وَهَذَا يتَنَاوَل كل قَضَاء يَقْضِيه على عَبده من عُقُوبَة أَو ألم وَسبب ذَلِك فَهُوَ الَّذِي قضى بِالسَّبَبِ وَقضى بالمسبب وَهُوَ عدل فِي هَذَا الْقَضَاء وَهَذَا الْقَضَاء خير لِلْمُؤمنِ كَمَا قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يقْضِي الله لِلْمُؤمنِ قَضَاء إِلَّا كَانَ خيرا لَهُ وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا لِلْمُؤمنِ قَالَ الْعَلامَة ابْن الْقيم فَسَأَلت شَيخنَا هَل يدْخل فِي ذَلِك قَضَاء الذَّنب فَقَالَ نعم بِشَرْطِهِ

<<  <   >  >>