أَن الْبدن إِذا مرض لم ينفع فِيهِ الطَّعَام وَالشرَاب فَكَذَلِك الْقلب إِذا مرض بالشهوات لم تنجع فِيهِ المواعظ وَمن أَرَادَ صفاء قلبه فليؤثر الله على شَهْوَته الْقُلُوب الْمُتَعَلّقَة بالشهوات محجوبة عَن الله بِقدر تعلقهَا بهَا الْقُلُوب آنِية الله فِي أرضه فأحبها إِلَيْهِ أرقها وأصلبها وأصفاها شغلوا قُلُوبهم بالدنيا وَلَو شغلوها بِاللَّه وَالدَّار الْآخِرَة لجالت فِي مَعَاني كَلَامه وآياته المشهودة وَرجعت إِلَى أَصْحَابهَا بِغَرَائِب الحكم وطرف الْفَوَائِد إِذا غذي الْقلب بالتذكر وَسقي بالتفكّر ونقي من الدغل رأى الْعَجَائِب وألهم الْحِكْمَة لَيْسَ كل من تحلى بالمعرفة وَالْحكمَة وانتحلها كَانَ من أَهلهَا بل أهل الْمعرفَة وَالْحكمَة الَّذين أحيوا قُلُوبهم بقتل الْهوى وَأما من قتل قلبه فأحيى الْهوى الْمعرفَة وَالْحكمَة عَارِية على لِسَانه خراب الْقلب من الْأَمْن والغفلة وعمارته من الخشية وَالذكر إِذا زهدت الْقُلُوب فِي مَوَائِد الدُّنْيَا قعدت على مَوَائِد الْآخِرَة بَين أهل تِلْكَ الدعْوَة وَإِذا رضيت بموائد الدُّنْيَا فاتتها تِلْكَ الموائد الشوق إِلَى الله ولقائه نسيم يهب على الْقلب يروح عَنهُ وهج الدُّنْيَا من وطّن قلبه عِنْد ربه سكن واستراح وَمن أرْسلهُ فِي النَّاس اضْطربَ وَاشْتَدَّ بِهِ القلق لَا تدخل محبَّة الله فِي قلب فِيهِ حب الدُّنْيَا إِلَّا كَمَا يدْخل الْجمل فِي سم الابرة اذ أحب الله عبدا اصطنعه لنَفسِهِ واجتباه لمحبته واستخلصه لعبادته فشغل همه بِهِ وَلسَانه بِذكرِهِ وجوارحه بخدمته وَالْقلب يمرض كَمَا يمرض الْبدن وشفاؤه فِي التَّوْبَة وَالْحمية ويصدأ كَمَا تصدأ الْمرْآة وجلاؤه بِالذكر ويعرى كَمَا يعرى الْجِسْم وزينته التَّقْوَى ويجوع ويظمأ كَمَا يجوع الْبدن وَطَعَامه وَشَرَابه الْمعرفَة والمحبة والتوكل والإنابة والخدمة إياك والغفلة عَمَّن جعل لحياتك أَََجَلًا ولأيامك وأنفاسك أمدا وَمن كل مَا سواهُ بُد وَلَا بذلك مِنْهُ من ترك الِاخْتِيَار وَالتَّدْبِير فِي طلب زِيَادَة دنيا أَو جاه أَو فِي خوف نُقْصَان أَو فِي التَّخَلُّص من عَدو توكلا على الله وثقة بتدبيره لَهُ وَحسن اخْتِيَاره لَهُ فَألْقى كنفه بَين يَدَيْهِ وَسلم الْأَمر إِلَيْهِ وَرَضي بِمَا يَقْضِيه لَهُ استراح من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute