والجواب على هذا أن كثيرًا من الفقهاء - كما تقدم - قالوا بوجوبه، بل إنه قول أتباع واحد من المذاهب الأربعة المتبوعة، وهم الشافعية. وذهب بعض الحنفية إلى سنيته وهو قول عند الحنابلة وعندهم قول بالوجوب كذلك، والمالكية قالوا بالاستحباب والأقوى عند الحنفية والحنابلة أنه مكرمة، ولم يقل أحد منهم أنه ممنوع أو غير مشروع أو خلاف الأولى.
إن إهمال كل هذه الأقوال وإيراد قول من قال بأنه مكرمة على أنه الرأي الأوحد لا يحسن بأهل العلم ولا يليق. وكذلك فإن هؤلاء السادات من أهل العلم لا يقولون بالوجوب والاستحباب وتتفق كلمتهم على المشروعية، وليس للختان أصل في الشريعة، كما ذكر بعض مانعيه من المعاصرين.
وهذا جواب شيخ الجامع الأزهر السابق، الشيخ جاد الحق -رحمه الله-، قال:«إن الفقهاء اتفقوا على أن الختان في حق الرجال والخفاض فى حق النساء مشروع، ثم اختلفوا في وجوبه فقال الإمامان أبو حنيفة ومالك: هو مسنون فى حقهما وليس بواجب وجوب فرض ولكن يأثم بتركه تاركه، وقال الإمام الشافعي: هو فرض على الذكور والإناث، وقال الإمام أحمد: هو واجب فى حق الرجال، وفى النساء عنه روايتان أظهرهما الوجوب، وهو في حق النساء قطع الجلدة التي فوق مخرج البول دون مبالغة في قطعها، ودون استئصالها، وسمي هذا خفاضًا، وقد استدل الفقهاء على خفاض النساء بحديث أم عطية -رضي الله عنها- قالت: إن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تنهكي فإن ذلك أحظى للزوج وأسرى للوجه» ومعنى «لا تنهكي» لا تبالغي في القطع والخفض، ويؤكد هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يا نساء الأنصار اختفضن أي (اختتن) ولا تنهكن أي لا تبالغن فى الخفاض» (١) وهذا الحديث جاء
(١) أخرجه البَزَّار. انظر «مَجْمَع الزَّوَائد» (٥/ ١٧١). وقال الهَيْثَمِيّ -رحمه الله-: «وفيه مندل بن علي وهو ضعيف وقد وُثِّقَ وبقية رجاله ثقات». وقال ابن المُلَقِّن في «البدر المنير» (٨/ ٧٤٩): «فتلخص أن طرقه كلها ضعيفة وقد صرح ابن القطان الحافظ في كتابه «أحكام النظر» أيضًا بأنه لا يصح منها شيء.» وضعفه الحافظ في «تَلْخِيص الحَبِير» (٤/ ٨٣).