بسم الله والحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بلغ عن ربه فأتم البلاغ، وبين لنا شرائع ديننا في شتى مناحي الحياة، حتى غبطنا على بيانه أهل الكتاب. فاللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع ملته إلى يوم الدين. أما بعد،
فإن التَّداخُل بين علمَي الفقه والطب أمر يتفق عليه العارفون بهما؛ وذلك لأن موضوع علم الطب هو بدن الإنسان ونفسه، والبدن والنفس مَحَلٌّ للتكاليف الشرعية؛ ولذلك كثر ذكرُ الفقهاء لمسائلَ من علم الطب وإحالتُهم على الأطباء، بل وسؤالُهم إياهم لتحقيق مَناط الأحكام الشرعية.
ولما كان علم الطب متغيرًا، لزم أن تتغير الفتاوى والآراء الفقهية المبنية على المعارف الطبية. ولعل تغير الآراء الفقهيه بتغير المعارف الطبية هو أوضح مثال على تغير تلك الآراء الفقهية - وليس الأحكام الشرعية - بتغير الزمان والمكان والحال.
من أجل ذلك، يُحتاج إلى الكثير من البحوث الفقهية المتخصصة في هذا الباب. وفي هذا البحث محاولة لمراجعة أهم الفتاوى الفقهية المبنية على المعارف الطبية أو المتأثرة بها.
وليس هناك مسألة مما تعرض له الفقهاء قد أطبقَت الأمة على الخطأ فيها، أو تَعارَضَ بشأنها نصُّ الوحي مع قطعيِّ العلم، ولذا فإننا عند مراجعة الآراء الفقهية في ضوء المعارف الطبية الحديثة، لا نَزيد على أن نختار من آراء الفقهاء ما هو الأرجح، حَسَب تلك المعارف الحديثة، وإن كان خلاف الأشهرِ أو قولِ الجمهور.