بين يدي هذه الرسالة كان لابد أن أتعرض إلى الأصل الذي بُنِيت عليه، وهو مسألة جواز بل وجوب تغير الفتوى بتغير الواقع، ومن ذلك واقع المعارف والصناعة الطبية.
إن هذه المسألة لهي من أكثر المسائل تعقيدًا، وقد وقع فيها - كما في غيرها - كثير من الإفراط والتفريط، فجماعة جاوزوا بها الحد وطاروا بها كل مَطِير، يريدون أن يَدلِفوا منها إلى تغيير الدين، أو قل تحريفه؛ بينما فريق آخر نظر إليها مرتابًا، لاسيما مع التجاوزات التي ترتكب باسمها، فأنكرها وردها.
وأنا في الصفحات القادمة أبدأ ببيان مشروعية بل وجوب أصل المسألة، ثم أتعرض للضوابط التي تمنع من الانحراف بها واتخاذها مَطِيَّة لتحريف الدين، وبعدها أبين المقصود من تغير الفتوى بتغير المعارف والصناعة الطبية على وجه الخصوص.
[تعريف الفتوى والقضاء]
الفَتْوَى: هي الإخبار عن حكم الله، على وجه الإعلام، في الوقائع وغيرها. أما القَضَاء: فهو الإخبار عن حكم الله، على وجه الإلزام، في الحكم بين المتخاصمين (١).
فالفتوى ليست ملزمة بعكس القضاء، فكان القضاء أوسع من هذه الجهة لكونه إخبارًا يتبعه إلزام. والفتوى أوسع من أكثر من جهة، فهي متعدية يخاطب بها الخلق الكثير، وتكون في أبواب المعاملات والعبادات بل والعقائد.
وبالنسبة إلى موضوع رسالتنا، فالفتوى والقضاء قريبان، ولا أثر للفرق بينهما على العَلاقة بينهما وبين المعارف والصناعة الطبية.
(١) انظر «الفُرُوق مع هوامشه» للقَرافِيِّ (٤/ ١١٧)، «فتاوى السُّبكِيّ» (٢/ ٥٤٤)، «حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ» (٤/ ١٥٧) «المَوْسُوعَة الفِقْهِيَّة» (٣٢/ ٢١).