للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

احتمال: فربما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كره أن يعالجه ذلك الرجل بالذات (١)، أو أنه كان -صلى الله عليه وسلم- أعلم بعلاج ما فيه، أو أنه كره شيئًا من سلوك الرجل، وقد ذكر صاحب عَوْن المَعْبُود أنه جاء في بعض روايات الحديث عند أحمد أن الرجل قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا نبي الله إني رجل طبيب من أهل بيت أطباء فأرني ظهرك فإن تكن سِلْعَةً أَبُطُّهَا وإن كان غير ذلك أخبرتك فإنه ليس من إنسان أعلم مني» (٢).

إن الحديث ليس فيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك التداوي، ولكن فيه أنه لم يأذن لهذا الرجل بمداواته، وقد أذن لغيره كثير، كما سنبين، فليُتأمَّل.

* أدلة الوجوب:

والآن، أضع بين يديك مجموعة من الأدلة التي ترجح جانب الفعل على الترك، وبعضها قد يستدل به على الوجوب.

١ - أمره -صلى الله عليه وسلم- بالتداوي:

عن أسامة بن شريك -رضي الله عنه- قال: «كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: نَعَم، يا عِبَادَ اللهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لم يضع دَاءً إلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ. قَالُوا: مَا هُو؟ فقال: الهَرَم» (٣).

نعم، جاء الأمر بعد سؤال ولعل ذلك يصرفه عن الوجوب، ولكن أنت ترى أنه في هذا الحديث يعلل أمره بالتداوي بما فيه من النفع، والمسلم ينبغي أن يحرص على ما ينفعه، وكذلك على دفع ما يضره.


(١) لقد ذكر موفق الدين البَغْدَادِيّ هذا الحديث وترجم له باجتناب من لا يحسن الطب «الطب من الكتاب والسنة» (ص ١٨٩).
(٢) «عَوْن المَعْبُود» للعَظِيم آبادِي (١١/ ١٧٥).
(٣) «سُنَن التِّرْمِذِيّ» كتاب الطب، باب ما جاء في الدواء والحث عليه (٤/ ٣٨٣)، قال: حسن صحيح.

<<  <   >  >>