للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رقاهم: «مَن اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ» (١).

ولقد أجاد وأفاد ابن القَيِّم -رحمه الله- إذ قال: «التداوي لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مُقتضَيَات لمسَبَّبَاتها قدرا وشرعا، وإن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة ويضعفه، من حيث يظن مُعطِّلُها أن تركها أقوى في التوكل، الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره فيهما، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، فلا يجعل العبد عجزه توكلًا، ولا توكله عجزًا» (٢).

وهذا هو دين الإسلام وترك تعاطي الأسباب فيه إهلاك الأمة وتمكين أعدائها منها.

٤ - ما ذكروا من تركه -صلى الله عليه وسلم- للتداوي كما جاء في حديث أبي رِمْثَة رِفَاعَةَ بن يَثْرِبِيٍّ: «دخلت مع أبي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى أبي الذي بظهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: دعني أعالج الذي بظهرك فإني طبيب. فقال: أَنْتَ رَفِيقٌ وَاللهُ الطَّبِيبُ» (٣). فإن هذه واقعة عين لا يستدل بها إذا تطرقها الاحتمال القوي (٤)، وهنا أكثر من


(١) «صَحِيح مُسْلِم» كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة (٤/ ١٧٢٦).
(٢) «الطب النبوي» لابن القَيِّم (١/ ١٠)، قال بمثل مقالته الحافظ في الفتح. انظر «فَتْح البَارِي» (١٠/ ١٣٥).
(٣) «سُنَن أبي دَاوُد» كتاب الترجل، باب في الخضاب (٤/ ٨٦). وصححه الألبَانِيّ (انظر «سُنَن أبي دَاوُد بتحقيق مشهور» رقم ٤٢٠٧).
(٤) قال ابن القَيِّم في الطُّرُق الحُكمِيَّة (١/ ٣٤١): «وإذا احتملت القصة هذا وهذا وهذا لم يجزم بوقوع أحد الاحتمالات إلا بدليل».

<<  <   >  >>