لعل وجه إيراد هذه المسألة هي أن المتقدمين من العلماء لم يتعرضوا لقضية تشريح جثة الميت من أجل التعليم أو التحقيق الجنائي، ولكن الذي قد يتبادر للذهن من كلامهم عن حرمة بدن الميت هو عدم جواز التشريح لهذين الغرضين.
ولكنَّ تطور الطب، وبالأخص التخدير ومن ثم الجراحة، جعل من التشريح حاجة ماسة لكل متطبب وجراح. وكذلك فإن تطور الطب العدلي جعل تشريح جثة الميت لإثبات طريقة الموت والتوصل إلى الجاني من الوسائل التي تتحقق بها العدالة ويمنع بها الفساد.
وسنعرض في هذا المبحث الخلاف بين المعاصرين حول هذه القضية ونجتهد في ترجيح القول الأسعد بالدليل ومقصود الشارع.
وأبدأ بالتعريف:
أولًا: التشريح في اللغة:
مصدرٌ من شَرَّحَ بتشديد الراء، وله معانٍ منها: الفَتح والكَشف والإبَانَة والتَّفسِير والقَطع. قال في «مختار الصِّحاح»: الشرح الكشف؛ تقول شرح الغامض أي فسَّره وبابُه قَطَع؛ ومنه تشريح اللحم والقطعة منه شريحة وكل سمين من اللحم ممتد فهو شريحة وشريح؛ وشرح الله صدره للإسلام فانشرح وبابه أيضا قطع (١).