للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

*

[الفرع الثالث: اختلاف الفقهاء في حصر أدلة الإثبات والعمل بالقرائن]

لعله من الصعوبة بمكان تحرير رأي المذاهب والفقهاء في مسألة العمل بالقرائن، فإن هناك اضطرابًا في تحديد المانع والمجيز، وهو ناتج عن عدة عوامل، أهمها:

أن القرائن تختلف، فمنها المنصوصة والمستنبطة وغيرها، ولذلك فإن البعض قد يعمل بالقرينة لعمل الصحابة بها ثم لا يعمل بغيرها وإن كانت أظهر منها لأنها لم يجر عليها العمل ولم ينطق بها الشرع. وكذلك تختلف القرائن في القوة والضعف.

وكما أن القرائن تختلف، فإن القضايا تختلف، فهناك من يرى اعتبار القرائن في غير الحدود، ومنهم من يضيف إلى الحدود القِصاص، ثم هم يجيزون العمل بها في غير ذلك.

وكذلك فإن هناك من يعمل بالقرائن في الترجيح، فيُظَنُّ أنهم يعملون بها وإن كانوا لا يعتبرونها مُنفرِدة. وقد يعملون بها في التحقيق واستدراج المتهم دون الحكم بها عليه.

ولعل الأقرب عند التقسيم أن يقال إن أوسع الناس في العمل بالقرائن ابن القَيِّم (١) ثم ابن تَيمِيَّة (٢) وابن فَرْحُون (٣) ثم بقية المالكية على تفاوت بينهم وابن الغَرْس (٤) (٥)


(١) انظر كتابيه «إعْلام المُوَقِّعِين» و «الطُّرُق الحُكمِيَّة».
(٢) انظر المصدرين السابقين و «الإنْصَاف» للمِرداوِيِّ (١٠/ ٢٣٣)، «الفُرُوع» لابن مُفْلِح (٦/ ٨٥)، «السياسة الشرعية» لابن تَيمِيَّة (ص ١٣٦).
(٣) انظر كتابه «تَبْصِرَة الحُكَّام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام» القسم الثاني في أنواع البينات.
(٤) هو: أبو اليسر محمد بن محمد بن محمد بن خليل، المعروف بابن الغَرْس، فاضل من فقهاء الحنفية، مولده بالقاهرة سنة ٨٣٣ هـ، والغَرْس لقب جده خليل، حج وجاور غير مرة، وأقرأ الطلبة بمكة، وكان غاية في الذكاء، وأخذ عليه السخاوي ولعه باللعب بالشطرنج، وتوفي بالقاهرة سنة ٨٩٤ هـ، له كتب منها: «الفواكه البدرية في الأقضية الحُكمِيَّة»، و «رسالة في التمانع»، وحَاشِيَة على «شرح التَّفْتَازانِيّ للعقائد النسفية». راجع ترجمته في: «الضوء اللامع» (٥/ ٢٢٠)، «شَذَرَات الذَّهَب» (٧/ ٣٥٦).
(٥) انظر «حَاشِيَة ابن عابِدِين» (٥/ ٣٥٤).

<<  <   >  >>