كما ذكرنا، إن لتغير الفتوى ضوابطَ تجب مراعاتها. وهنا نبين المقصود من تغير الفتوى بتغير المعارف الطبية.
ولنبدأ ببيان أن تطور المعارف والصناعة الطبية لا ينقض، ولا يتصور أن ينقض، نصّا صريحًا صحيحًا أو إجماعًا منعقدًا معتبرًا؛ وذلك أن آيات الله الكونية والشرعية لا تتعارض ولا تتناقض، بل تتعاضد وتتوافق، والأدلة على ذلك لا تحصى، وليس المقام يتسع لسردها (١).
وكذلك، فإن الإجماع المنعقد المعتبر لا يمكن أن يظهر خطؤه، فإنه لا تزال طائفة من أمة محمد على الحق ظاهرة. ولكن نقل الإجماع لا يعني الإجماع إذا ثبت وجود المخالف، وقد يشتهر القول حتى يظنه البعض إجماعًا وهو ليس كذلك، كما هو معروف عند أهل الفقه والأصول.
قد يختلف أهل العلم في المسألة الواحدة على أقوال فنرجح منها ما ظهر عليه الدليل من الواقع، وليس هذا بعيب فإنهم كانوا ينتصرون لأقوالهم بالتدليل والتعليل، والأخير قد يكون من الواقع والمُشاهَد.
مثال ذلك اختلافهم حول أقل وأكثر الحمل والنفاس والحيض والطهر وهل تحيض الحامل وهل يكون الولد من ماءين، فنرجح ما ثبت طبيًّا صوابه على ما ثبت خطؤه، فإن تطور العلوم الطبية أثبت بعض الخطأ في تقديرات بعض فقهائنا - رحمهم الله تعالى -
(١) فلتراجع في مظانها ككتب الإعجاز العلمي في القرآن والسنة النبوية.