للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلقد بذلوا وسعهم في تحقيق مناط الأحكام الشرعية وتنزيلها على واقع الناس ومعالجة قضاياهم في ضوء الكتاب والسنة، فجزاهم الله عن أمة الإسلام خير الجزاء، إلا أن الكتاب والسنة معصومان، وتقديرات الفقهاء - وهم بشر - غير معصومة، فلا عيب إذًا أن يخطئوا تبعًا لخطأ أطباء عصرهم، لأنهم سألوا «أهل الذكر» في الطب بأزمنتهم كما كان ينبغي عليهم؛ ولكن يكون عيبًا أن يُثبَت الخطأ ونَسْتكبرَ عن تصحيحه، فإن القول مثلًا بأن أكثر الحمل عامان كما هو مذهب الحنفية (١) أو أربعةٌ كما هو مذهب الشافعية (٢) أمر قد تحقق خطؤه مع تقدم العلوم الطبية (٣).

مثل هذه الأقوال وغيرها ينبغي - في تقديري - الرجوع عنها، لأنها لم تكن بتوقيف من الشارع، وإن حاول البعض الانتصار لما رجحه بما فهمه من أدلة الوحي. لقد كانت آراؤهم في أغلب هذه الأمور مبنيةً على استقراءٍ وملاحظةٍ منهم للواقع ثبَت من غير شك خطؤها.

كذلك، فإن تغير المعارف والصناعة الطبية قد يحدثان تغيرًا في أبواب الوسائل. فكما قدمنا، عمل الأولون بالقِيافة في إثبات النسب، بل وبالقُرعة أحيانًا، لتشوف الإسلام إلى إثباته، فالواجب علينا أن نعمل الآن بالبصمة الوراثية، وهي أدق بلا نزاع من القيافة والقرعة.

وليس هذا عدوانًا على الشريعة ولا عيبًا فيها بل عين مقتضاها وجري على قواعدها وعلى عمل الأولين الذين اجتهدوا لإثبات الحقوق بكل ما لديهم من وسائل.


(١) «الهِدَايَة شَرْحُ البِدَايَة» للمَرْغِينانِيّ (٢/ ٣٥).
(٢) «أسْنَى المَطَالِب» للأنصَارِيّ (٣/ ٣٩٣).
(٣) انظر «دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة» (١/ ١٧٦)، وفيه تقرير أن أكثر مدة للحمل مع الاحتياط ٣٣٠ يوما.

<<  <   >  >>