نوع تقصير في معرفة الشريعة، وتقصير في معرفة الواقع، وتنزيل أحدهما على الآخر، فلما رأى ولاة الأمور ذلك، وأن الناس لا يستقيم لهم أمرهم إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة، أحدثوا من أوضاع سياساتهم شرا طويلا، وفسادا عريضا فتفاقم الأمر، وتعذر استدراكه، وعز على العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك، واستنقاذها من تلك المهالك. وأفرطت طائفة أخرى قابلت هذه الطائفة، فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله، وكلتا الطائفتين أتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله، وأنزل به كتابه. فإن الله سبحانه أرسل رسله، وأنزل كتبه، ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسموات. فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه، والله سبحانه أعلم وأحكم، وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة، وأبين أمارة، فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها؛ بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق، أن مقصوده إقامة العدل بين عباده، وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين، وليست مخالفة له. فلا يقال: إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع، بل هي موافقة لما جاء به، بل هي جزء من أجزائه، ونحن نسميها سياسة تبعا لمصطلحهم، وإنما هي عدل الله ورسوله، ظهر بهذه الأمارات والعلامات» (١).
• الفرع السادس: الترجيح:
إن الذي يظهر هو أن العمل بالقرائن مجمع عليه، والحنفية والشافعية يعملون بها ولكن في غير الحدود والقصاص وأخذهم بالقرائن الحسية والحالية أكثر وهم صرحوا