للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: أثر تطور المعارف الطبية على تغير الفتوى بشأن التداوي]

• لا ريب أن التداوي الذي تحدث عنه فقهاؤنا غير التداوي الذي يمارس اليوم. إن كثيرا من التداوي في أزمنتهم كان معتمدا على الظن الذي هو في درجة الشك أو الوهم. ولعلهم رأوا في مشاهداتهم قلة نفعه في الكثير من الأحيان.

أما الآن، فلقد تقدمت العلوم الطبية تقدما مذهلا، وهي لن تنفك عن كونها أعجز عن قهر المرض، فإنه من سنن الله في خلقه وله فيه حكم عليا، وهو وإن لم يكن شرطا في حصول الموت إلا أنه في الأغلب أول مراحله، ومن ذا الذي يقدر على دفع هذا. ولكن هذه العلوم تقدمت تقدمًا لا يماري فيه العقلاء، حتى أسهمت في حفظ الأرواح ومنع العاهات والإعاقات التي ترجع بالضرر الشديد على الفرد والمجتمع.

• إنه ليس سرًّا أن معدل موت النساء أثناء الولادة، والأطفال بعدها، قد انخفض عشرات المرات عما كان عليه في السابق. إن مرضًا كالسكري الذي كان يفتك بصاحبه في أشهر في السابق صار يعالج ويعيش المصاب به حياة طبيعية عشرات السنين. ثم ألا ترى أن مرضًا كشلل الأطفال قد تم القضاء عليه في أغلب المعمورة، وهو لاحق قريبًا - إن شاء الله - بالجدري الذي انقرض بالفعل، بفضل الله، بواسطة التحصينات.

إن الدواء في بعض الأحيان يُقطَع بأنه ينفع من الداء بإذن الله كما يُقطَع بأن النار تحرق الخشب والسكين يقطع اللحم.

إن من ذهب إلى عدم وجوب التداوي قد عللوا بعدم القطع بنفعه، قال الرَّملِيّ -رحمه الله-: «وإنما لم يجب كأكل الميتة للمضطر وإساغة اللقمة بالخمر لعدم القطع بإفادته بخلافهما» (١).


(١) «نهاية المُحْتاج» للرَّمْلِيّّ (٣/ ١٩).

<<  <   >  >>