للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقول: القطع هنا غير اليقين، فمن أين للمرء باليقين أن أكل الميتة سيفيده؟ فإن كان كذلك، فماذا لو كان يقطع بفائدة دواء معين أو جراحة معينة؟

والجواب عند نفر من علمائنا، فقد قال البَغَوِيّ -رحمه الله-: «إذا عُلِم الشِّفاءُ في المُداواة وَجَبَت» (١).

وقال المِرْداوِيّ -رحمه الله-: «وقيل يجب [التداوي]؛ زاد بعضهم إن ظَنَّ نَفْعَه» (٢).

وقال ابن حَجَر الهَيتَمِيّ -رحمه الله-: «هذا صريح في أنه لو قُطِع بإفادة التداوي وَجَبَ وهو قريب» (٣).

إن التداوي في زماننا لا يشبه التداوي في أزمنة مضت، كما يقر بذلك جمهور العقلاء. إن نفع الدواء من الداء يصل في بعض الأحيان إلى مرحلة غلبة الظن المقاربة جدًا لليقين، ومن ثم فإنه لا يتصور في دين «لا ضرر» وفي الشريعة القائمة على جلب المصالح ودفع المفاسد أن يكون ترك التداوي أفضل هكذا بإطلاق. ولا يتصور كذلك أن يكون جائزًا للمرء أن يعرض نفسه لفقد أحد حواسه أو أعضائه أو معاناة زمانة في بدنه لأنه يأبى أن يتداوى.

إن المتقدمين من العلماء كانت ثقتهم بالطب دون ثقة أهل زماننا به وذلك لما قدمنا من الفارق الشاسع بين الطب في زمانهم وزماننا. ولذلك قال ابن تَيمِيَّة -رحمه الله-:

«وليس هذا [التداوي بالمحرم] مثل أكل المضطر للميتة فإن ذلك يحصل به المقصود قطعا وليس له عنه عوض والأكل منها واجب. فمن اضطر إلى الميتة ولم يأكل حتى مات


(١) «حواشي الشرواني» (٣/ ١٨٣).
(٢) «الإنْصَاف» للمِرداوِيِّ (٢/ ٤٦٣). وانظر «الفُرُوع» لابن مُفْلِح (٢/ ١٣١).
(٣) «تُحْفَة المُحْتاج» للهَيتَمِيّ (٣/ ١٨٣).

<<  <   >  >>