بدايةً، ينبغي التأكيد على أن التطور في العلوم الطبية الحديثة لا يثبت صحة مذهب وخطأ آخر بهذا الصدد، ولا يرجح قولًا على قول، فإنما كانت هذه الأقوال نتاجًا لواقع غير الذي نحياه، فكان الحريَّ بها أن تتفاعل مع هذا الواقع؛ والحريُّ بالفتوى في زماننا أن تتفاعل مع الواقع الجديد.
• أما بالنسبة للجروح والشجاج، فإن الجراحة الحديثة يمكنها استيفاء أكثر أنواع الجروح والشجاج سوى الجائفة والهاشمة والآمة والدامغة لعظم الخطر.
وعليه فلا يتغير قول المالكية، وتجدر مراجعة أقوال المذاهب الأخرى.
• أما بالنسبة لإزالة المنافع، فلعل الطب الحديث ضيق إمكان الاستيفاء في هذا الباب، لأن الأطباء لا يرون من الممكن استيفاء القِصاص بإزالة منفعة غير البصر (١) كما هو مذهب الحنفية، فإن صار يومًا ممكنًا فتتغير الفتوى. فلا يتغير قول الحنفية في زماننا هذا وتجدر مراجعة أقوال المذاهب الأخرى.
• أما بالنسبة للقطع من غير مَفصِل، فإن الطب الحديث يستطيع تحقيق مطلق المماثلة واجتناب الزيادة المطلقة، وهو المطلوب - على الصحيح - فوسع بذلك دائرة الاستيفاء في كل قطع من غير مفصل لا يكون مخوفًا في حكم أهل الخبرة. فلا يتغير إذًا قول المالكية لأنه موافق لذلك وينبغي أن تراجع بقية الأقوال.
(١) فيكون مشكلا قول الإمام النَّوَوِيّ -رحمه الله-: «والأقرب منع القصاص في العقل ووجوبه في الشم والبطش والذوق لأن لها محال مضبوطة ولأهل الخبرة طرق في إبطالها.» «رَوْضَة الطَّالِبِين» (٩/ ١٨٦).