للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والواجب ألا يدفعنا التعصب لإمام أو مذهب إلى رد الحق، سيما إذا شهد له دليل الحس، فإن أهل السنة لا يُهمِلون الحس أو الدليل الحسي. ولعل التوقف عند هذه الكُلِّيَّة وبيانَها مما يُفيد قبل الشروع في تفاصيل بحثنا.

[أهل السنة لا يهملون دليل الحس]

وفي ذلك يقول الإمام ابن تَيمِيَّة -رحمه الله- في «درء التعارض»: «والأصل في مذاهب الناس كلهم ثلاث مقالات: القول بالحس بحسْب، وهو مذهب الدهرية فإنهم قالوا بما يدركه الحس ولم يقولوا بمعقول ولا خبر؛ وقال قوم بالحس والمعقول بحسب ولم يقولوا بالخبر وهو مذهب الفلاسفة لأنهم لا يثبتون النبوة؛ وقال أهل المقالة الثالثة بالحس والنظر والأثر وهم جماعة المسلمين وهو قول علمائنا وبه نقول» (١).

ويقول الإمام ابن حَزْم -رحمه الله- (٢): «قد ذكرنا فيما خلا من هذا الكتاب وفي غيره من كتبنا أنه لا طريق إلى العلم أصلا إلا من وجهين أحدهما ما أوجبته بديهة العقل وأوائل الحس والثاني مقدمات راجعة إلى بديهة العقل وأوائل الحس» (٣).

بل إن أهل السنة يؤولون ظواهر النصوص التي تخالف أدلة الحس، قال الإمام ابن


(١) «دَرْء التَّعَارُض» لابن تَيمِيَّة (٧/ ٣٣٢ - ٣٣٣).
(٢) هو: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حَزْم الظَّاهِرِيّ، عالم الأندلس في عصره، من أذكياء العالم، وأحد فحول أئمة الإسلام. ولد بقرطبة سنة ٣٨٤ هـ، وتوفي بها سنة ٤٥٦ هـ، كان من صدور الباحثين، فقيهًا حافظًا، يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة، وخالف الجمهور فأنكر القياس؛ وكان بعيدًا عن المصانعة، وانتقَد كثيرًا من العلماء والفقهاء، وكانت فيه حِدَّة -رحمه الله-، فتمالؤوا على بغضه، وأجمعوا على تضليله، وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهَوا عوامهم عن الدنو منه، فأقصته الملوك وطاردته، أشهر مصنفاته: «الفِصَل في المِلَل والنِّحَل» و «المُحَلى» و «الناسخ والمنسوخ». راجع ترجمته في: «وَفَيَات الأعْيَان» (٣/ ٣٢٥)، «نفح الطيب» (٢/ ٧٨)، «البِدَايَة والنِّهَايَة» (١٢/ ٩١).
(٣) «الإحكام في أصول الأحكام» لابن حَزْم (١/ ٦٤).

<<  <   >  >>