للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الأول: استيفاء القِصاص في العظام

والجروح والشجاج وإذهاب المنافع

شرع الله تبارك وتعالى القِصاص ليكون رحمة للمجتمع من بغي وعدوان من لا وازع من دين أو خلق في نفوسهم يحجزهم عن سفك الدماء والعدوان على أبدان الناس.

قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٧٩]

أي أن قتل من قتل وقطع من قطع جدير بأن يردع المجرمين عن الاستطالة في دماء وأبدان الناس، ومن ثم يحفظ حياة الناس وطمأنينتهم والسلام في مجتمعاتهم.

ومن حِكَم القِصاص أن المعتدَى عليه قلما يشفي غل صدره وضعُ المجرم المعتدي في السجن بضعة أشهرٍ أو أعوامٍ، وقد قطع عضوًا من أعضائه أو أذهب منفعة من منافعه كالبصر مثلا.

إن هذا المظلوم لا يشفي صدره سوى أن يرى الجاني وقد فُعِل به قصاصا مثل ما فَعَل به عدوانًا.

ولما كان العدل مقصودًا في القِصاص، فإن هذه القاعدة روعيت حتى مع الجاني فلا يجار عليه في القِصاص، فمن قطع يدًا من الرسغ، فلا يجوز أن تقطع يده من المرفق وهكذا، بل يتوخى العدل الكامل؛ قال تعالى:

{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: ٤٥]

<<  <   >  >>