للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الأول: أقوال الفقهاء في التداوي ومناقشتها]

التداوي عمومًا قد تعتريه الأحكام الخمسة، قال الإمام ابن تَيمِيَّة -رحمه الله-: «التحقيق أن من التداوي ما هو محرم، ومنه ما هو مكروه، ومنه ما هو مباح، ومنه ما هو مستحب، ومنه ما هو واجب، وهو ما يعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره، ليس التداوي بضرورة بخلاف أكل الميتة» (١).

أما التداوي الذي نحن بصدد الحديث عنه في هذا المبحث فهو التداوي بغير المحرم، وجواز التداوي به مجمع عليه (٢)، لم يخالف فيه إلا بعض غلاة الصوفية (٣). ولذلك فالخلاف بين أهل العلم منحصر فيما إذا كان مباحًا وتركه أفضل أم مستحبًّا أو واجبًا.

وكلام شيخ الإسلام -رحمه الله- متقن وحق كما سنبين، ولكن لا بد من تقرير ما إذا كان الأصل في التداوي الوجوب أم الاستحباب أم الجواز؛ وذلك لأن المرض مما تعم به البلوى، فلزم أن نبين لعموم الناس مراد الله منهم عند حلوله بهم، لأنهم لن يراجعوا فقيهًا عند حلول كل مرض، وإنما يتصور ذلك في مرض عضال أو آخر قد طال.

ولقد ذهب الجمهور إلى عدم وجوب التداوي، فالحنفية جعلوه مندوبًا (٤) والمالكية لفظ أكثرهم «لا بأس به» (٥) وصرح بعضهم بالاستحباب (٦) وهو عند الشافعية


(١) «مَجْمُوع الفَتَاوَى» لابن تَيمِيَّة (٣٧/ ٤٧١).
(٢) في «الهِدَايَة شَرْحُ البِدَايَة»: التداوي مباح بالإجماع (٤/ ٩٧).
(٣) «تلبيس إبليس» (١/ ٣٥١).
(٤) «بَدَائع الصَّنَائع» للكَاسَانِيّ (٥/ ١٢٧).
(٥) «الفواكه الدواني» للنَّفْرَاوِيّ، أحمد بن غنيم (٢/ ٣٣٩).
(٦) «حَاشِيَة العَدَوِيّ» (٢/ ٦٤١).

<<  <   >  >>