للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تجويزهم إطعام الدواب النجاسات بدليل على تجويزهم إطعامها الميتة، فإن للميتات حكمًا خاصًّا والانتفاع بها ممنوع، وفيها حديث لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعن جابر -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح وهو بمكة: «إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ فَقِيلَ يا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ. فَقَالَ: لا هُوَ حَرَامٌ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ [جَمَلُوه عند البخاري] ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» (١).

وهذا على اعتبار أن النهي عن مطلق الانتفاع لا مجرد البيع، فإن كان النهي عن البيع دون سائر أنواع الانتفاع، فإن في النهي عن الجلَّالة إشارة كافية بعدم تقديم النجاسات للدواب، لأن في ذلك إفسادًا لها، وقد نهينا عن إضاعة المال.

والميتة من أنجس النجاسات، والتشديد فيها في أقوال الفقهاء ظاهر. وإن من جوز استعمال النجاسات بالإتلاف فيما فيه منفعة لم يرد عنه التصريح بجواز إطعام الميتة للدواب مأكولة اللحم.

[فرع: هل للاستحالة أثر على تغير الحكم بشأن إطعام الأعلاف النجسة للحيوان]

لم نتعرض في كلامنا السابق عن حكم الجلالة وتقديم العلف المتنجس والنجس والميتات للحيوان للاستحالة، ولا شك أن الكلام لا يتم إلا بالحديث عن أثر الاستحالة على تقديم هذه الأعلاف للحيوانات، وذلك لأن هذه الأعلاف المخلوطة بالنجاسات والميتات لا تقدم في أزمنتنا - في الأكثر - للحيوانات من غير معالجة.

أما المعالجة، فهي بطبخ هذه الأعلاف في قدور على درجة حرارة تصل إلى ١٢٠،


(١) «صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام (٢/ ٧٧٩)، «صَحِيح مُسْلِم» المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام (٣/ ١٢٠٧)، اللفظ له.

<<  <   >  >>