للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدبر]

لعل اختلاف الفقهاء في الإفطار بإدخال شيء إلى الدبر لم ينبنِ على كونِه منفذًا للجَوْف من عدمه، لأنهم علموا بداهة أنه كذلك، ولكن وقع الخلاف من أجل قَصْرِ بعضهم للجَوْف على المَعِدَة، لأنها القادرة على تحليل الغذاء، فرأى هؤلاء أن إدخال غير المائعات من الدبر لا يصل إلى المَعِدَة فلا يفسد الصوم، وفريق آخر نفى المشابهة بين إدخال شيء في الدبر والأكل والشرب.

ونحن نبين آراء الفقهاء ونناقشها مسترشدين بما آلت إليه المعارف الطبية في زماننا.

الفريق الأول: ذهبوا إلى أن إدخال أي شيء في الدبر مائعًا كان أو غيره كدهن وفتائل يفسد الصيام، وهم الجمهور، فهو قول الحنفية (١) والشافعية (٢) والحنابلة (٣).

والحنابلة يقررون ذلك مع أنهم لا يحرمون بحُقْنَة اللبن ولو خمس مرات، قالوا: «لأنها ليست برضاع ولا يحصل بها تغذٍ» (٤). وهذا موافق لأصلهم، وهو حصول الإفطار بدخول الأعيان الظاهرة إلى أي جوف.

ويستدل هذا الفريق بأنه أدخل اختيارًا من مَخْرَق أصلي ما يصل إلى الجَوْف، وقد قال ابن عباس -رضي الله عنه-: «الفطر مما دخل وليس مما يخرج» (٥).

ويُستَدَل لهم بأن الدبر متصل قطعًا بالجهاز الهَضْمِيّ. وإنه وإن لم يكن بالقولون قدرة على تحليل الغذاء، فله القدرة على امتصاص السوائل والأملاح والجلوكوز - كما تقدم


(١) «بَدَائع الصَّنَائع» للكَاسَانِيّ (٢/ ٩٣).
(٢) «رَوْضَة الطَّالِبِين» للنَّوَوِيّ (٢/ ٣٥٦)، و «المَنْهَج القَوِيم» للهَيتَمِيّ (١/ ٥٠٨).
(٣) «المُغْنِي» لابن قُدامة (٣/ ١٦)، و «مَطَالِب أُولِي النُّهَى» للرَّحِيباني (الرُّحَيباني) (٢/ ١٩١).
(٤) «مَطَالِب أُولِي النُّهَى» للرَّحِيباني (الرُّحَيباني) (٥/ ٦٠٢).
(٥) «مُصَنَّف ابن أبي شَيْبَة» كتاب الصيام، باب من رخص للصائم أن يحتجم (٢/ ٣٠٨).

<<  <   >  >>