لقد اختلف الفقهاء قديمًا وحديثًا في طرق الإثبات في القضاء الإسلامي، فبعضهم حصرها فيما هو منصوص عليه أو مستنبط من الوحي، وبعضهم وسع دائرة الإثبات لتشمَلَ كل ما يَظهر به الحق ويُسفِر به طريق العدل. والحكم بالقرائن كان محَل خلاف بين الفقهاء لهذا السبب.
والجديد، أن الطب الشرعي قد حصل له من التطور ما جعل أنظمة القضاء في العالم تعتمد عليه في الإثبات إلى حد بعيد جدًا؛ ويسمي خبراء القانون هذا النوع من أدلة الإثبات بالدليل المادي، وهو تعبير حادث، لكنه يدخل تحت القرينة.
والسؤال هو: أين يقف القضاء الإسلامي من الطب الشرعي؟ وهل يستفيد منه؟ وهل هذه الاستفادة تقتصر على إرشاد المحقق الجنائي وتبصير القاضي بجوانب مهمة من ملابسات الجريمة، أم أن هذه الأدلة متى قويت جاز أن يقضي بها القاضي دون وجود شيء من أدلة الإثبات المألوفة في الفقه الإسلامي كالشهود والإقرار واليمين والنكول عنه؟
في هذا المبحث نناقش هذه القضية في ثلاثة مطالب:
١ - اختلاف الفقهاء في أدلة الإثبات والحكم بالقرائن.
٢ - تطور الطب الشرعي وحاجة القضاء الإسلامي للتعاطي مع الواقع الجديد.
٣ - أثر تطور المعارف الطبية على الخلاف في هذا الباب.