لعل قول الفريق الثاني أقوى من جهة الدليل والأصول، فإن الأحكام التي ترتبت على أعيان ذات أوصاف معينة لا يمكن سحبها على غيرها مما يخالفها في تلك الأوصاف. والاستدلال بالخل - عند القائلين بنجاسة الخمر - والمسك على تغير حكم العين بتغير الصفات وجيه.
فحين تقرر أن الاستحالة يتغير الحكم بها، فهل ينسحب ذلك على استحالة النجاسات المقدمة علفًا للحيوان؟
الصحيح أن الاستحالة، وإن غيرت الأوصاف الظاهرة، كاللون والطعم والريح التي تثبت بها الأحكام في العادة، فإنها لا تخلص تلك الميتات من جميع المواد الضارة، فتبقى بعضها لا تتأثر بالاستحالة، كما تقدم في كلامنا أن بروتينات البرايون لا يقضى عليها بطبخ تلك الأعلاف.
ولعل النهي عن أكل لحوم الجلالة فيه إشارة كافية للتفريق بين استعمال هذه النجاسات في غير طعام إنسان أو حيوان مأكول اللحم وبين استعمالها في الطعام. ألا ترى أن الاستحالة لم تعتبر في الجلالة مع أن الجلة المأكولة وغيرها من القذر والنجاسات تستحيل داخل الحيوان إلى لحم ولبن وبيض.
وإذا كان القائلون بتغير الحكم بالاستحالة يعللون بأن العين الجديدة طيبة لا ضرر فيها فناسب لها الحل، كما قال الإمام ابن تَيمِيَّة -رحمه الله-: «فكل ما نفع فهو طيب، وكل ما ضر فهو خبيث والمناسبة الواضحة لكل ذي لب أن النفع يناسب التحليل والضرر يناسب التحريم، والدوران»(١) فإن الجاري على هذه القاعدة هو عدم الحكم للأعلاف النجسة المستحيلة في الصفات الظاهرة بالتحليل لبقاء الضرر فيها كما تقرره المعارف الطبية الحديثة.