للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: الماء المشمس]

لعل هذه القضية ليست من القضايا الأهم التي نناقشها في بحثنا، ولكنها أول قضية في كتب الفقه - حسب ترتيبها المعروف - يصدق عليها عنوان بحثنا. وكذلك فإن التداخل واضح فيها بين الفقه والطب، ولعل في قول الإمام الشافعي: «ولا أكره الماء المشمس إلا من جهة الطب» أوضح بيان على أحد أنواع التداخل بين الفقه والطب، وهي تلك الحالة التي يكره فيها الفقيه أو يحرم شيئًا لاعتقاد ضرره بجسم الإنسان.

ولقد اختلفت أقوال الفقهاء بشأن الماء المشمس فمن ذاهب إلى الإباحة المطلقة كابن حَزْم (١) -رحمه الله- وبه صرح ابن قُدامة في «المُغْنِي» (٢) واختاره النَّوَوِيّ في «المَجْمُوع» (٣)، وإن كان بين أن المذهب عند الشافعية الكراهة، ولقد ذكر النَّوَوِيّ -رحمه الله- أن القول بعدم الكراهة هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد وداود والجمهور.

وفي هذا الكلام نظر، فلا يُسلَّم أن الجمهور على عدم الكراهة، ففي مذهب المالكية مثلًا، ذكر المَوَّاق (٤) -رحمه الله- في «التَّاج والإكْلِيل» (٥) كراهته ونقله عن القاضي


(١) «المُحَلَّى» لابن حَزْم (١/ ٢١١).
(٢) «المُغْنِي» لابن قُدامة (١/ ٢٨).
(٣) «المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (١/ ١٣٣ - ١٣٥).
(٤) هو: أبو عبد الله المَوَّاق محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري الغُرْناطِيّ، فقيه مالكي كان عالم غرناطة وإمامها وصالحها في وقته، من كتبه: «التَّاج والإكْلِيل في شَرح مُخْتَصَر خَلِيل»، و «سُنَن المهتدين في مقامات الدين»، توفي -رحمه الله- سنة ٨٩٧ هـ. راجع ترجمته في: «الأعلام» للزرِكلِيّ (٧/ ١٥٤)، «مُعْجَم المؤلفين» (١٢/ ١٣٣).
(٥) «التَّاج والإكْلِيل» للمَوَّاق (١/ ١١٠).

<<  <   >  >>