للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السكين اللحم وتحرق النار الخشب. لذا قال البَغَوِيّ -رحمه الله-: «إذا عُلِم الشِّفاءُ في المُداواة وَجَبَت» (١).

نعم هذا غير مطرد في كل الأمراض والأدوية، ولكن متى حصلت غلبة الظن بنفع الدواء المعين المأمون من مرض مضر بالنفس أو الغير، لم يجز في دين الإسلام -القائم في تشريعاته على جلب المصالح ودفع المفاسد- ترك التداوي به.

ويبقى ترك الصحابة للتداوي من غير نكير منهم على بعض دليلًا على جواز ترك التداوي في بعض الحالات لا كلها كما سنبين.

٣ - قولهم أن ترك التداوي أفضل لأنه تمام التوكل.

وهو مردود بتداوي سيد المتوكلين -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. بل إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد بين أن الدواء من قدر الله الذي يطلب والداء من قدر الله الذي يدفع. قال -صلى الله عليه وسلم-: «الدَّواء من القَدَر وقد يَنفَعُ مَن يَشَاءُ بما شَاء» (٢).

أما استدلالهم بحديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب (٣) ووصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- إياهم بأنهم «الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون»، فهذا ليس فيه ذكر التطبيب عمومًا، ونذكر قريبًا ما يبين أن المذموم ليس عموم الكي؛ والراجح أنه كذلك ليس فيه عيب الرقية الشرعية فقد رَقَى (٤) رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورُقِي (٥) بل إنه -صلى الله عليه وسلم- قال للصحابة الذين عرضوا عليه


(١) «حواشي الشرواني» (٣/ ١٨٣).
(٢) «صَحِيح الجَامِع» رقم (٣٤١٦).
(٣) «صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو (٥/ ٢١٥٧).
(٤) «صَحِيح مُسْلِم» كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة (٤/ ١٧٢٤).
(٥) رقاه جبريل -عليه السلام-. (انظر فَتْح البَارِي: ١١/ ٤٠٨).

<<  <   >  >>