والأخرى: أنهم لو كانوا كذلك، أو جاز أن يكونوا بأجمعهم حجة لم يجز أن يدرك الحكم من جهتهم إلا من أدرك أولهم وآخرهم.
وهذا أيضا بين الفساد، فثبت أن الحجة متعلقة ببعضهم، ولا يخلو ذلك البعض من أن يكون حجة على أهل عصره، أو لا يكون حجة غلا على أهل العصر الذي بعده، فبطل القسم الأول لاتفاق الجميع على أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ليس بعضهم حجة على بعض، فلم يبق إلا أنهم حجة على من بعدهم لأجل تقدمهم، وكان تقدم العصر الثاني للثالث، كتقدم عصر الصحابة للتابعين، وكانت حاجة العصر الثالث إلى الثاني كحاجة الثاني إلى الأول في العوارض من إرسال الرسل عليهم السلام، إذ الرسل قد انقطعت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه جعل خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم -، وجعلت الأمة عوضا عنها، فوجب حجة الأعصر متقديمهم على متأخرهم، كوجوب حجة عصر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ على من بعدهم، ولأن الحق لا يجوز أن يخرج عن كل عصر، فثبت أن إجماع كل عصر حجة، والله أعلم.