للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.......................................................................


قوله: " تعبدون ": العبادة هنا التذلل والخضوع; لأن في قومه من يعبد الأصنام، ومنهم من يعبد الشمس والقمر والكواكب.
قوله: {إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} جمع بين النفي والإثبات; فالنفي: {بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} والإثبات: {إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} فدل على أن التوحيد لا يتم إلا بالكفر بما سوى الله والإيمان بالله وحده: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} وهؤلاء يعبدون الله ويعبدون غيره; لأنه قال: {إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} والأصل في الاستثناء الاتصال إلا بدليل، ومع ذلك تبرأ منهم.
وكذا يوجد في بعض البلدان الإسلامية من يصلي ويزكي ويصوم ويحج، ومع ذلك يذهبون إلى القبور يسجدون لها ويركعون; فهم كفار غير موحدين، ولا يقبل منهم أي عمل، وهذا من أخطر ما يكون على الشعوب الإسلامية; لأن الكفر بما سوى الله عندهم ليس بشيء، وهذا جهل منهم، وتفريط من علمائهم; لأن العامي لا يأخذ إلا من عالمه، لكن بعض الناس - والعياذ بالله - عالم دولة لا عالم ملة.
وفي قول إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} ولم يقل إلا الله فائدتان:
الأولى: الإشارة إلى علة إفراد الله بالعبادة; لأنه كما أنه منفرد بالخلق; فيجب أن يفرد بالعبادة.
الثانية: الإشارة إلى بطلان عبادة الأصنام; لأنها لم تفطركم حتى تعبدوها; ففيها تعليل للتوحيد الجامع بين النفي والإثبات، وهذه من البلاغة التامة في تعبير إبراهيم عليه السلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>