للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعن الله من أوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض " رواه مسلم١.


قوله: "من آوى محدثا": أي: ضمه إليه وحماه، والإحداث: يشمل الإحداث في الدين، كالبدع التي أحدثها الجهمية والمعتزلة، وغيرهم.
والإحداث في الأمر: أي في شؤون الأمة، كالجرائم وشبهها، فمن آوى محدثا، فهو ملعون، وكذا من ناصرهم، لأن الإيواء أن تأويه لكف الأذى عنه، فمن ناصره، فهو أشد وأعظم. والمحدث أشد منه; لأنه إذا كان إيواؤه سببا للعنة، فإن نفس فعله جرم أعظم.
ففيه التحذير من البدع والإحداث في الدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة "٢، وظاهر الحديث: ولو كان أمرا يسيرا.
قوله: "منار الأرض": أي: علاماتها ومراسيمها التي تحدد بين الجيران، فمن غيرها ظلما، فهو ملعون، وما أكثر الذين يغيرون منار الأرض، لا سيما إذا زادت قيمتها، وما علموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " من اقتطع شبرا من الأرض ظلما، طوقه من سبع أرضين "٣، فالأمر عظيم، مع أن هذا الذي يقتطع من الأرض، ويغير المنار، ويأخذ ما لا يستحق لا يدري: قد يستفيد منها في دنياه، وقد يموت قبل ذلك، وقد يسلط عليه آفة تأخذ ما أخذ.
فالحاصل: أن هذا دليل على أن تغيير منار الأرض من كبائر الذنوب، ولهذا قرنه النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك وبالعقوق وبالإحداث، مما يدل على أن أمره عظيم، وأنه يجب على المرء أن يحذر منه، وأن يخاف الله- سبحانه وتعالى- حتى لا يقع فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>