ومعنى قوله: "على شرطهما"، أي: أن رجاله رجال "الصحيحين"، وأن ما اشترطه البخاري ومسلم موجود فيه. ونحن لا ننكر أن هناك أحاديث صحيحة لم يذكرها البخاري ومسلم; لأنهما لم يستوعبا الصحيح كله، وهذا أمر واقع، ولكن ينظر في قول من قال: إن هذا الحديث على شرطهما; فقد تكون فيه علة خفية خفيت على هذا القائل، ويكون البخاري ومسلم علماها وتركا الحديث من أجلها. وقوله: "صحيح": يقولون: الحاكم ممن يتساهل بالتصحيح، ولهذا قالوا: لا عبرة بتصحيح الحاكم، ولا بتوثيق ابن حبان، ولا بوضع ابن الجوزي، ولا بإجماع ابن المنذر. وهذا القول فيه مجازفة في الحقيقة; لأن كلمة (لا عبرة) ; أي: لا يلتفت إليه، والصواب أنه لا يؤخذ مقبولا في كل حال، مع أني تدبرت كلام ابن المنذر رحمه الله، ووجدت أنه دائما إذا نقل الإجماع يقول: إجماع من نحفظ قوله من أهل العلم، وهو بهذا قد احتفظ لنفسه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ولكننا مع ذلك نقول: إذا كان الرجل ذا اطلاع واسع; فقد يكون هذا القول إجماعا، أما إذا كان هذا الرجل لا يعرف إلا ما حوله; فإن قوله هذا لا يكون إجماعا ولا يوثق به، ولا نحكم بأنه إجماع. مثاله: فلو قال رجل: لم يدرس إلا المذهب الحنبلي في مسألة، وقال هذا إجماع من نحفظ قوله من أهل العلم; فإن قوله هذا لا يعتبر; لأنه لم يحفظ إلا قولا قليلا من أقوال أهل العلم.