وهذا لا شك في خطئه; فإن كانوا مجتهدين غفر الله لهم، وإلا فهم على خطر عظيم، واللائق بهؤلاء أن يلقبوا بأنهم من علماء الدولة لا علماء الملة. ومما لا شك فيه أن الشرع جاء بتنظيم العبادات التي بين الإنسان وربه والمعاملات التي بين الإنسان مع الخلق في العقود والأنكحة والمواريث وغيرها; فالشرع كامل من جميع الوجوه، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ، [المائدة: من الآية٣] . وكيف يقال: إن المعاملات لا تعلق لها بالشرع وأطول آية في القرآن نزلت في المعاملات، ولولا نظام الشرع في المعاملات لفسد الناس؟! وأنا لا أقول: نأخذ بكل ما قاله الفقهاء; لأنهم قد يصيبون وقد يخطئون، بل يجب أن نأخذ بكل ما قاله الله ورسوله (ولا يوجد حال من الأحوال تقع بين الناس إلا وفي كتاب الله وسنة رسوله ما يزيل إشكالها ويحلها، ولكن الخطأ إما من نقص العلم أو الفهم وهذا قصور، أو نقص التدبر وهذا تقصير. أما إذا وفق الإنسان بالعلم والفهم وبذل الجهد في الوصول إلى الحق; فلا بد أن يصل إليه حتى في المعاملات، قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} ، [النساء: من الآية٨٢] ، وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} ، [المؤمنون: من الآية٦٨] ، وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} ، [صّ: من الآية٢٩] ، وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} ، [النحل: من الآية٨٩] ، فكل شيء يحتاجه الإنسان في دينه أو دنياه; فإن القرآن بينه بيانا شافيا.