للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

......................................................................


فكيف تجعل هذا الولد ندا لله في المحبة، وربما قدمت محبته على محبة الله، والله هو المتفضل عليك به؟!
وفي قوله: "فلما آتاهما" نقد لاذع؛ أن يجعلا في هذا الولد شريكا مع الله، مع أن الله هو المتفضل به، ثم قال: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: من الآية١٩٠] أي: ترفع وتقدس عما يشركون به من هذه الأصنام وغيرها.
ومن تأمل الآية وجدها دالة على أن قوله: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} أي: من جنس واحد، وليس فيها تعرض لآدم وحواء بوجه من الوجوه، ويكون السياق فيها جاريا على الأسلوب العربي الفصيح الذي له نظير في القرآن; كقوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عمران: من الآية١٦٤] أي: من جنسهم، وبهذا التفسير الواضح البين يسلم الإنسان من إشكالات كثيرة.
أما على القول الثاني بأن المراد بقوله تعالى: {مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} آدم {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: من الآية١٨٩] حواء، فيكون معنى الآية خلقكم من آدم وحواء. فلما جامع آدم حواء حملت حملا خفيفا، فمرت به، فلما أثقلت دعوا -أي آدم وحواء- الله ربهما: {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} [الأعراف: من الآية١٨٩، ١٩٠] فأشرك آدم وحواء بالله، لكن قالوا: إنه إشراك طاعة لا إشراك عبادة، {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: من الآية١٩٠] وهذا التفسير منطبق على المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وسنبين -إن شاء الله تعالى- وجه ضعفه وبطلانه.
وهناك قول ثالث: أن المراد بقوله تعالى: {مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} أي: آدم وحواء، {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} انتقل من العين إلى النوع; أي: من آدم إلى النوع الذي هم بنوه، أي: فلما تغشى الإنسان الذي تسلسل من آدم وحواء

<<  <  ج: ص:  >  >>