للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

......................................................................


جسم الدب مثل جسم النملة؟ فبينهما تباين عظيم في الحجم والرقة واللين وغير ذلك. فإذا بطلت هذه الحجة بطلت النتيجة، وهي استلزام مماثلة الله لخلقه. ونحن نشاهد البشر لا يتفقون في الوجوه; فلا تجد اثنين متماثلين من كل وجه ولو كانا توأمين، بل قالوا: إن عروق الرجل واليد غير متماثلة من شخص إلى آخر.
ويلاحظ أن التعبير بنفي المماثلة أولى من التعبير بنفي المشابهة; لأنه اللفظ الذي جاء به القرآن، ولأنه ما من شيئين موجودين إلا ويشتبهان من وجه ويفترقان من وجه آخر; فنفي مطلق المشابهة لا يصح، وقد تقدم.
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله خلق آدم على صورته "١ ووجه الله لا يماثل أوجه المخلوقين، فيجاب عنه: بأنه لا يراد به صورة تماثل صورة الرب عز وجل بإجماع المسلمين والعقلاء، لأن الله عز وجل وسع كرسيه السماوات والأرض، والسماوات والأرضون كلها بالنسبة للكرسي -موضع القدمين- كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة; فما ظنك برب العالمين؟ فلا أحد يحيط به وصفا ولا تخييلا، ومن هذا وصفه لا يمكن أن يكون على صورة آدم ستون ذراعا، وإنما يراد به أحد معنيين:
الأول: أن الله خلق آدم على صورة، اختارها وجعلها أحسن صورة في الوجه، وعلى هذا; فلا ينبغي أن يقبح أو يضرب لأنه لما أضافه إلى نفسه اقتضى من الإكرام ما لا ينبغي معه أن يقبح أو أن يضرب.
الثاني: أن الله خلق آدم على صورة الله عز وجل، ولا يلزم من

<<  <  ج: ص:  >  >>